كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
الْمَعْنى يَقُول إِنَّه فَوق أبي الَّذِي يفتش عَن نسبه إِلَّا أَن صَنْعَة الشّعْر لإِقَامَة الْوَزْن ألجأته إِلَى هَذَا النّظم وَمثله فِي النّظم
(قالتْ مَن أنتِ على ذُكرٍ فقُلتُ لَهَا ... أَنا الَّتِي أنْتَ مِنْ أعْدائها زَعُموا)
وَالْمعْنَى أَنا فَوق قوم يفتشون عَن نسبي وَأَرَادَ بِبَعْضِه الْوَلَد لِأَن الْوَلَد بعض الْوَالِد
10 - الْغَرِيب نافرني فنفرته وأصل المنافرة أَن الرجلَيْن من الْعَرَب كَانَا يحتكمان فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى من عرف بالرياسة وَالْفضل والصدق فَيَقُولَانِ لَهُ أَي نفرينا أفضل فَإِذا فضل أَحدهمَا الآخر فالمغلوب منفور وَالْغَالِب نافر ونافره ينفره بِالضَّمِّ لَا غير قَالَ الْأَعْشَى يمدح عَامر بن الطُّفَيْل فِي منافرة عَلْقَمَة بن علاثة إِلَى هرم بن سِنَان المري
(بانَ الذِي فيهِ تَمارَيْتمُا ... وَاعْتَرَفَ المَنْفُورُ للِنَّافرِ)
وَقَوله أنفذوا أَي أفنوا والنفاد الفناء قَالَ الله تَعَالَى {لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ} الْمَعْنى يَقُول إِنَّمَا يذكر الأجداد والأباء للمفاخرين من غلبوه بالفخر وَلم يجد حِيلَة فافتخر بِالْآبَاءِ فَيحْتَاج إِلَى الْفَخر بجدوده من لَا فَخر لَهُ وَلَا فَضِيلَة فِي نَفسه فَيحْتَاج إِلَى فَضِيلَة آبَائِهِ وَقد كرر هَذَا الْمَعْنى أَنه يفخر بِنَفسِهِ لَا بقَوْمه لِأَن فَضله كَانَ مَشْهُورا وَلم يكن لَهُ شرف من قومه فَلهَذَا كرر هَذَا الْمَعْنى
11 - الْإِعْرَاب فخرا نَصبه على الْمصدر أَي أَفْخَر فخرا وَيجوز أَن يكون بإضمار فعلت من غير لَفظه وصرع فِي الْبَيْت وَقَالَ مشتمله والأجود لَو كَانَ قَالَ مُشْتَمِلًا بِهِ إِلَّا أَنه حذف حرف الْجَرّ كبيت الْكتاب
(أمَرْتُكَ الخْيرَ فافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... )
وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} أَي من قومه الْغَرِيب الْغَضَب السَّيْف والسمهري الرمْح والاشتمال أَن يتقلد السَّيْف فَتكون حمائله على مَنْكِبه كَالثَّوْبِ الَّذِي يشْتَمل بِهِ وَقَالَ أَبُو الْفَتْح أَخذه فِي الشمَال لِأَن السَّيْف يُقَلّد من ناحيتها واعتقل الرمْح إِذا ضمه إِلَيْهِ وَرُبمَا جعله تَحت فَخذه وَهُوَ مَأْخُوذ من عقلت الشَّيْء إِذا حَبسته الْمَعْنى يَقُول سَيفي ورمحي بفخران بِي لَا أَفْخَر بهما وَالْفَخْر تحتي وفوقي فَكَأَنِّي مُرْتَد ومنتعل بِهِ وَقد بَينته فِيمَا بعده وَأَرَادَ أَنه منغمس فِي الْفَخر وَحده
الصفحة 267