كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

بالمفعول لانه معرفَة لَا يجوز حمله على التَّمْيِيز وَجَاز أَن يكون نعتا للمكلل لرجوع الْهَاء إِلَيْهِ وَذكر القنا لِأَن كل جمع بَينه وَبَين واحده الْهَاء يجوز تذكيره وتأنيثه كتمرة وتمر وشعيرة وشعير ونخلة ونخل وشجرة وَشَجر وقناة وقنا الْغَرِيب الْأَحْمَر فرسه الَّذِي رَكبه فِي وقْعَة أنطاكيا والمكلل الجاد يُقَال حمل فكلل أَي مضى قدما وَلم يحجم وَأنْشد الْأَصْمَعِي
(حَسْمُ عِرْقِ الدَّاءِ عَنْهُ فقَضَبْ ... تَكْليلُهُ اللَّيْثَ إذَا اللَّيثُ وَثَبْ)
وَقد يكون كلل بِمَعْنى جبن يُقَال حمل فَمَا كلل أَي فَمَا كذب وَلَا جبن كَأَنَّهُ من الاضداد وَأنْشد أَبُو زيد لجهم بن سَبِيل
(وَلا أكَلِّلُ عَنْ حَرْبٍ مُجَلَّحَةٍ ... وَلا أُخَدّرُ للِمُلْقِينَ بالسَّلَمِ)
وانكل الرجل انكلالا تَبَسم قَالَ الْأَعْشَى
(وَتَنْكَلُّ عَنْ غُرِّ عِذابٍ كَأَّنها ... جَنْىُ أقْحُوَانٍ نَبْتُهُ مُتَناعِمُ)
الْمَعْنى يُرِيد أَلَيْسَ هُوَ فَارس الْفرس الْأَحْمَر الجاد النشيط فِي جمَاعَة طَيء وَقد أشرعت القنا نَحوه
30 - الْمَعْنى لما قابلهم بِوَجْهِهِ فِي حومة الوغى أقسم أَنه لَا يرجع عَنْهُم حَتَّى لَا يبقي مِنْهُم أحد وَهُوَ من قَول الآخر
(حَتَّى يَظُنُّوهُ إنْسانا بِغَيِرِ قَفا ... وَأنَّهُ رَاكِبٌ طِرْفا بِلا كَفَلِ)

31 - الْإِعْرَاب قَالَ أَبُو الْفَتْح تمّ الْكَلَام عِنْد قَوْله وأصغره واستأنف أكبر أَي هُوَ أكبر الْغَرِيب أكبرت الشَّيْء إِذا استكبرته قَالَ الله تَعَالَى {فَلَمَّا رأينه أكبرنه} الْمَعْنى قَالَ الواحدي قَالَ أَبُو الْفَتْح استكبروا فعله واستصغره هُوَ ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ أكبر من فعله الَّذِي فعله أَي هُوَ أكبر من فعله قَالَ الْعَرُوضِي فِيمَا أملاه على هَذَا التَّفْسِير لَا يكون مدحا لِأَن من الْمَعْلُوم أَن كل فَاعل أكبر من فعله والخالق تَعَالَى ذكره فَوق المخاوقين وَقَالُوا إِن خيرا من الْخَيْر فَاعله وَإِن شرا من الشَّرّ فَاعله وَمعنى الْبَيْت أَن النَّاس استكبروا فعله واستصغره هُوَ فَكَانَ استصغاره لما فعل أحسن من فعله كَمَا تَقول أَعْطَانِي فلَان كَذَا وَكَذَا واستقله فَكَانَ استقلاله لذَلِك أحسن من إِعْطَائِهِ ثمَّ الْعجب أَنه غلط فِي صناعَة هُوَ إمامها الْمُقدم فِيهَا

الصفحة 272