كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

النهوض والتعريض لمعروفه فَهُوَ يعم الْقَرِيب والبعيد وَالْكَبِير وَالصَّغِير فَهُوَ يعم عُمُوم الْغَيْث وَيفِيض كفيض الْبَحْر فَهُوَ يدْرك النائي الْبعيد كَمَا يَشْمَل الداني الْقَرِيب وَلَيْسَ يعجز صغَار عَن الاطفال بِهِ وَلَا يُخرجهَا الصغر عَن التَّنَاوُل لَهُ لِأَنَّهُ عَام لَا خُصُوص فِيهِ
25 - الْغَرِيب الْفَرِيقَانِ الجيشان والأقران جمع قرن وَهُوَ الْعَدو المكافئ وَالْبيض السيوف والظبة حد السَّيْف الْمَعْنى هُوَ أمضى الجيشين سَيْفا فِي أقرانه عِنْد المصادمة إِذا ضلت الرماح وهدت السيوف لِأَنَّهَا تمْضِي على اسْتِوَاء والرماح تذْهب يَمِينا وَشمَالًا وَأَرَادَ أَن الْبيض هادية تهتدي فِي ظلمَة النَّقْع لِأَن النَّهَار قد استتر بالغبار واستعار الْهدى للسيوف والظلال للرماح وَأحسن فِي الْمُقَابلَة وَأَرَادَ أَن الْقَوْم دنا بَعضهم من بعض يتجادلون بِالسُّيُوفِ فَكَانَ الرماح ضَالَّة فِي الرِّجَال فقصرت الرماح وضلت عَن مقاصدها وضاق المجال عَن التطاعن بهَا وَصَارَ الْأَمر إِلَى المجادلة بِالسُّيُوفِ ومباشرة الحتوف فَصَارَت السيوف هادية مبصرة والرماح ضَالَّة مقصرة فَحِينَئِذٍ يكون أمضى الْفَرِيقَيْنِ من أَصْحَابه وأعدائه
26 - الْغَرِيب الْآل السراب وَقيل هُوَ الَّذِي يتخيل فِي قيعان الأَرْض عِنْد شدَّة الْحر وَقيل الْآل الَّذِي يرفع الْأَشْخَاص ويرقصها أول النَّهَار وَآخره الْمَعْنى يَقُول إِن كَانَ قد جمع الْبَهَاء والوسامة والجلال وَالْجمال فَإِنَّهُ يُرِيك مَا تخبره من فَضله وتؤديه الْمحبَّة إِلَيْك من كرمه وبأسه أَضْعَاف مَا يُؤَدِّيه ظَاهره فِي الرِّجَال وَمَا ترى فِيهِ من الْبَهَاء وَالْجمال وَفِي الرِّجَال من هُوَ كَالْمَاءِ وَفِيهِمْ من هُوَ كالآل من لَهُ حَقِيقَة وَرُجُوع إِلَيْهِ كَالْمَاءِ وَمن لَا حَقِيقَة لَهُ كالآل يكذب وَلَا يصدق ويخدع وَلَا ينفع فَهُوَ يشبه المَاء وَلَيْسَ بِمَاء وَهُوَ يشبه الرِّجَال صُورَة وَلَيْسَ بِرَجُل
27 - الْغَرِيب العقال دَاء يَأْخُذ الدَّوَابّ فِي أرجلها يمْنَعهَا من الْمَشْي الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح يجوز اخْتلطت السيوف والرماح عِنْد الْحَرْب وَلم يفضل الْجُنُون على الْعقل بِأَحْسَن من هَذَا وَلَو بَالغ فِي التَّصْرِيح بِأَن لقبه الْمَجْنُون لخلص من ذَلِك أحسن تخلص وَأَصله من قَول الفند الزماني
(وَبَعْضُ الحِلْم عِنْدَ الجهْل ... للذّلَّة إذْعانُ)
وَفِيه مَعْنَاهُ لحبيب
(وَإنْ يَمْينِ حبطانا عَلَيْه فَإَّنها ... أُولَئكَ عُقَّالاتُهُ لَا مَعاقلُهْ)

الصفحة 283