كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

أنْتَهى كَلَامه كَانَ فاتك يلقب بالمجنون ففسره أَبُو الطّيب تَفْسِيرا أذهب قبحه وَحسن عِنْد النكر لَهُ أَن يتلقب بِمثلِهِ وأصل الْبَيْت من قَول الْكلابِي
(أَلا أُّيها المُغْتابُ عِرْضِي تَعِيبُني ... تُسَمِّينِيَ المْجنُونَ فِي الجِدّ وَاللَّعْب)

(أَنا الرّجُلُ المْجنُونُ وَالرَّجُلُ الَّذي ... بِهِ تُتَّقَي يَوْمَ الوَغَى غِرَّةُ الحَرْب)

28 - الْإِعْرَاب الضَّمِير فِي بهَا للخيل وَيجوز أَن يكون لنَفسِهِ الْمَعْنى قَالَ الواحدي يَرْمِي بخيله للجيش وَلَا بُد لَهما من شقّ ذَلِك الْجَيْش وَلَوْلَا كَانُوا أجبالا وَقَالَ ابْن الأفليلي يَرْمِي بِالسَّيْفِ الَّذِي قدم ذكرهَا الْجَيْش الَّذِي يناصبه وَالْجمع الَّذِي يتَعَرَّض لَهُ وَلَا بُد لَهُ ولتلك السيوف المطيفة بِهِ من شقّ ذَلِك الْجَيْش
29 - الْغَرِيب الرئبال الْأسد الْمَعْنى يعْتَذر لمن لقبه بالمجنون بِأَنَّهُ إِذا قَاتل الْأَعْدَاء ونشبت فيهم مخالبه وَأظْهر سطوته عَلَيْهِم لم يجْتَمع لَهُم فِي ذَلِك الْوَقْت أَسد تحذر عاديته وحلم تؤمن بادرته وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الاستهال للْمَوْت والاقتحام للحرب لَيْسَ من طَرِيق الْحلم وَلَا يحمل عَلَيْهَا أَحْكَام الْعقل والأسد لَا يُوصف بالحلم كَذَلِك الرجل الَّذِي يبعد عَنهُ الْحلم إِذا قَاتل الْأَعْدَاء وَقَالَ ابْن القطاع إِذا نشبت مخالبه فِي قوم ذهب عَنْهُم التَّدْبِير والشجاعة
30 - الْغَرِيب يروعهم يفزعهم وصروف الدَّهْر حوادثه والمجاهرة الإعلان والاغتيال الإهلاك على غَفلَة الْمَعْنى يَقُول هَذَا دهر يغول الْأَعْدَاء جهارا وصروف الدَّهْر تهلكهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ وَجعله كالدهر تَعْظِيمًا لشأنه وَالْمعْنَى يروعهم ملك وَهُوَ كالدهر فِي قدرته عَلَيْهِم مغالبة والدهر يغتال بصروفه وَلَا يُؤذن بخطوبه فَجعل لفاتك على الدَّهْر مزية بَيِّنَة وَزِيَادَة ظَاهِرَة
31 - الْمَعْنى يَقُول انْتهى بِهِ تقدمه وجرأته إِلَى نيل الشّرف الْأَعْلَى واحترام أعداؤه أَن يصلوا إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ بتوقيهم مَا أرتكبه من الْأَهْوَال فغنم هُوَ وخابوا هم فَبلغ من الشّرف أَعلَى منازلة وَمن السُّلْطَان أرفع مراتبه بإقدامه وجرأته واقتحامه المهالك فَمَا الَّذِي ناله أعداءه بتوقيهم لما قدم عَلَيْهِ وإبطائهم عَمَّا تسرع إِلَيْهِ

الصفحة 284