كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
نَخْلَة سحوق وجبارة ومجنونة وباسقة يُرِيدُونَ الْعُلُوّ وَأَنَّهَا ممتنعة لَا يصل إِلَيْهَا أحد إِلَّا بالتعب قَالَ
(يَا رَبّ أرْسِلْ خارِفَ المساكيِنْ ... عَجاجةً مُسْبَلَةً العَثانِينْ)
(تَحُتُّ تَمْرَ السُّحْقِ المَجانِينْ ... )
هَذَا يَدْعُو الله أَن يُرْسل ريحًا على النّخل لتسقط الرطب فيأكل الْمَعْنى يَقُول قاد لَهُم هَذَا الممدوح كل فرس كَرِيمَة عالية طَوِيلَة الْعُنُق كَأَن مَا يشرف برأسها من عُنُقهَا نَخْلَة سحوق وَأَشَارَ بالخدين إِلَى الرَّأْس لِأَنَّهُمَا مِنْهُ غير منفصلين عَنهُ وَهُوَ من قَول الآخر
(كَأنَّ الجسْمَ للِرائِينَ طَوْدٌ ... وَهاديها كَأنْ جِذَعٌ سَحُوقُ)
27 - الْمَعْنى وقاد لَهَا كل حصان جواد قوي أسره شَدِيد خلقه تلطم الأَرْض كَفه لصلابته وقوتها لما هِيَ عَن النَّعْل وَالْحَدِيد أغْنى من ذَلِك النَّعْل عَن نعل آخر وَلما هِيَ أثبت مِنْهُ فِي خلقه وجنسه واستعار للحافر الْكَفّ كَمَا يستعار للْإنْسَان الْحَافِر من الْفرس فِي قَول الشَّاعِر
(فَما رَقَدَ الوِلْدانُ حَتَّى رَأيتُهُ ... عَلى البَكْرِ يَمْرِيهِ بِساقِ وَحافِرِ)
28 - الْغَرِيب الإراغة الارتياد والمحاولة وارتاغ طلب وَأَرَادَ وماذا تريغ أَي مَاذَا تطلب وراغ إِلَيْهِ مَال الْمَعْنى قَالَ الواحدي قَالَ ابْن جنى يُرِيد لَو ظَفرت بِالْكُوفَةِ وَمَا قصدت لَهُ لوصلت إِلَى تنَاول الْغَيْث بِالْيَدِ عَن قرب قَالَ الْعَرُوضِي هَذَا تَفْسِير من لم يخْطر الْبَيْت بِبَالِهِ لِأَنَّهُ ظَاهر وللمتدبر أَن يَقُول قد كَانَت كلاب فِي أَمن ونعمة ثمَّ شبه مَا كَانُوا فِيهِ بالغيث فأرادوا طلب الْملك وَجَاءُوا محاربين فهزموا فَلَمَّا توَلّوا هاربين قصدُوا بأرجلهم مَا كَانَ فِي أَيْديهم من مواطنيهم ونعمهم فَذَلِك قَوْله وتطلب مَا قد كَانَ فِي الْيَد بِالرجلِ وَقَالَ ابْن فورجة يَعْنِي أَنَّهَا كَانَت فِي غيث من إقطاع السُّلْطَان وإنعامه فَلَمَّا عصوا وحاربوا وانهزموا وولوا هاربين يطْلبُونَ مأمنا وحصنا وَقد خلفوا أمنا كَانَ حَاصِلا لَهُم وَقَوله تطلب بأرجلها مَا كَانَ فِي أيديها أَي تطلب بهربها وعدوها على أرجلها مَا كَانَ حَاصِلا فِي أيديها وَالْمعْنَى أَنَّهَا تطلب مَا كَانَ فِي أيديها آمِنَة مطمئنة بالانتقال والرحلة خائفة متوقعة وَأَشَارَ بِالْيَدِ وَالرجل إِلَى الْحَالَتَيْنِ
الصفحة 296