كتاب دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

حريملاء عن اتباع الدعوة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزت آثار الكتاب إلى العيينة، فارتاب وشك بعض من يدعي العلم - في العيينة - من صدق هذه الدعوة وصحتها1.
يقول العثيمين عن ذلك:
(لم يقتصر نشاط سليمان على بلدته - حريملاء -، وإنما بذل جهدا لإقناع أهل العيينة بالخروج على الدعوة ودولتها، وكانت وسيلته في ذلك أن أرسل إليهم كتابا ضمنه آراء تناقض آراء أخيه محمد في مسائل العقيدة ... ) 2.
ويظهر أن سليمان يخالف أخاه في مسألة الذبح والنذر لغير الله ونحوهما فيعتبرهما سليمان من الشرك الأصغر، ويورد الأدلة لكلامه فيدعي أن ابن تيمية وابن القيم على ذلك الرأي الذي يقوله - كما سيأتي موضحا في موضعه3.
وناهض محمد بن فيروز (ت 1216 هـ) دعوة الشيخ الإمام أشنع مناهضة وأشدها، وكاد لها بمختلف أنواع الكيد والمكر، ومن جملة كيده أنه ألف كتابا في الرد
__________
1 انظر: مجموعة الشيخ 1/281، ابن غنام 2/225.
2 الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 61.
3 حول مسألة هل رجع الشيخ سليمان عن ضلالاته وانضم إلى هذه الدعوة أم بقي مصرا على ذلك العداء؟ يؤكد البسام - في "علماء نجد" 1/305 - بكثير من الأدلة عدم صحة رجوع الشيخ سليمان، وقد تعقب الأستاذ محمد السكاكر أدلة البسام بالمناقشة والرد، كما في رسالته - لنيل الماجستير - "الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الدعوة" ص 126. وليس المقام هاهنا مقام تفصيل ومقارنة بين أدلة الطرفين، وإنما الذي يهمنا أن نذكّر - ابتداء - بما قاله صلى الله عليه وسلم: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم. والأنبياء ثم الصحابة ومن بعدهم من سادات الموحدين، قد وجدوا في آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم العداوة الشديدة والخصومة الظاهرة لدعوة الحق والصواب، فلا عجب أن يوجد ذلك فيمن بعدهم كما هو حال الشيخ سليمان - على من يقول بعدم توبته.. - مع أخيه محمد، وأمر آخر وهو أن هناك أدلة - لم يذكرها البسام ولا السكاكر - كأنها ترجّح عدم رجوع الشيخ سليمان.. 1- منها ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن: (وممن أورد هذه الشبهة "عدم طروء الشرك في هذه الأمة" عليه - أي محمد بن عبد الوهاب - عبد الله المويس راعي حرمة، وابن إسماعيل في الوشم، وسليمان بن عبد الوهاب في العارض) "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" 3/ 53. 2- ويقول أيضا بعد أن ساق بعض الردود على شبهات ابن منصور: (وقد اكتفيت بما ذكره شيخنا في رده على سليمان بن عبد الوهاب الذي صدره بحديث عمرو ابن عبسة) "الدرر السنية" 9/ 201. ولم ترد إشارة إلى توبته، بل لم يترحم عليه في هذين النصين. 3- ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن فى كتابه "منهاج التأسيس": (قال "داود" النقل الرابع والعشرون ذكر الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في رده على أخيه محمد بن عبد الوهاب ... ) ص 190. وأثناء رد الشيخ عبد اللطيف على هذا النقل، لم يذكر شيئا مما يدل على رجوع الشيخ سليمان. ويبدو أن الشيخ عبد اللطيف لم يعلم برجوع الشيخ سليمان إلا أثناء تسويده لكتابه "مصباح الظلام"، بدليل أنه وصف سليمان بقصور العلم، وقلة التحصيل، ثم قال - بعد ذلك مباشرة -.. (وقد وقفت على رسالة تدل على رجوعه أثناء تسويد الكتاب) ص 104، 105، وكتاب "مصباح الظلام" ألفه بعد تأليف "منهاج التأسيس" - وإن لم يتم المنهاج - كما دل على ذلك ما جاء في ص 335، 336، من المصباح. فيبعد أن يظل أمر رجوعه خفيا على المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وكذا ابنه الشيخ العالم عبد اللطيف، ثم لا يعلم الشيخ عبد اللطيف برجوع سليمان إلا أخيرا، والله أعلم، ورحمته أوسع.

الصفحة 41