كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (اسم الجزء: 1)
استعْلَتْ عليهم وشَمِلَتْهم. وقال: {عَلَى الكافرين} ولم يقُلْ» عليهم «إقامةً للظاهر مُقامَ المضمرِ لينبِّه على السبب المقتضي لذلك وهو الكفرُ.
قولُه تعالى: {بِئْسَمَا اشتروا} . . بئسَ: فعلٌ ماض غيرُ متصرفٍ، معناه الذمُّ، فلا يَعْمُل إلا في معرَّفٍ بأل، أو فيما أُضيف إلى ما هما فيه، أو في مضمرٍ مفسَّرٍ بنكرةٍ، أو في «ما» على قول سيبويه. وفيه لغاتٍ: بَئِسَ بكسر العينِ وتخفيفٍ، هذا الأصلُ، وبِئِس بكسرِ الفاء إتباعاً للعينِ وتخفيفٍ، هذا الإِتباعُ، وهو أشهرُ الاستعمالاتِ، ومثلُها «نِعْمَ» في جميع ما تقدَّم من الأحكام واللغات. وزعم الكوفيون أنهما اسمان، مستدلِّين بدخول حرف الجر عليهما في قولهم: «ما هي بِنِعْمَ الولد نصرُها بكاءٌ وبِرُّها سَرِقة» ، «ونِعْمَ السيرُ على بِئس العَيْر» وقولِه:
609 - صَبَّحَكَ اللهُ بخيرٍ باكرِ ... بنِعْمَ طيرٍ وشبابٍ فاخِرِ
وقد خَرَّجه البصريون على حَذْفِ موصوف، قامَتْ صفتُه مَقَامَه تقديرُه: ما هي بولدٍ مقولٍ فيه نِعْم الولد، ولها أحكامٌ كثيرة، ولا بُدَّ بعدَها من مخصوصٍ بالمدحِ أو الذمِّ، وقد يُحْذَفُ لقرينةٍ، هذا حكمُ بِئْسَ.
أمَّا، «ما» الواقعةُ بعدَها كهذه الآيةِ: فاختلف النحويون فيها اختلافاً كثيراً، واضطربت النقولُ عنهم اضطراباً شديداً، فاختلفوا: هَلْ لها محلٌّ من الإِعراب أم لا؟ فذهبَ الفراء إلى أنها مع «بِئْسَ» شيءٌ واحد رُكِّبَ تركيبَ «
الصفحة 507
520