كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (اسم الجزء: 1)

بالتشديد في جميع المضارع إلا حمزة والكسائيَّ فإنهما خالفا هذا الأصلَ فخَفَّفا: {وَيُنَزِّلُ الغيث} [الآية: 34] آخر لقمان، {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث} [الآية: 28] في الشورى. والهمزةُ والتضعيفُ للتعديَةِ، وقد تقدَّم: هل بينهما فرقٌ؟ وتحقيقُ كلٍّ من القولين، وقد ذَكَر القُرَّاءُ مناسباتٍ للإِجماعِ على التشديد في ذلك الموضعِ ومخالفةِ كلِّ واحدٍ أصلَه لماذا؟ بما يطول ذكره، والأظهرُ من ذلك كلِّه أنه جَمْعٌ بين اللغات.
قوله: {مِن فَضْلِهِ} :» مِنْ «لابتداءِ الغايةِ، وفيه قولان، أحدُهما: أنه صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ هو مفعولُ» يُنَزِّل «أي: أَنْ يُنَزِّل الله شيئاً كائناً من فضلِه فيكونُ في محلِّ نصب. والثاني: أنَّ» مِنْ «زائدةٌ، وهو رأيُ الأخفش، وحينئذٍ فلا تَعَلُّقَ له، والمجرورُ بها هو المفعولُ أي: أَنْ يُنَزِّلُ الله فضله.
قوله {على مَن يَشَآءُ} متعلقٌ بيُنَزِّلَ. و» مَنْ «يجوزُ أن تكونَ موصولةً أو نكرةً موصوفةً، والعائدُ على الموصولِ أو الموصوفِ محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ المجوِّزةِ للحَذْفِ، والتقديرُ: على الذي يشاؤُه أو على رجلٍ يشاؤه، وقَدَّره أبو البقاء مجروراً فإنه قال بعد تجويزِه في» مَنْ «أن تكونَ موصوفةً أو موصولةً» ومفعولُ «يشاء» محذوفٌ أي: يَشَاءُ نزولَه عليه، ويجوزُ أَنْ يكونَ يشاءُ يختارُ ويصطفي «انتهى.
وقد عَرَفْت أن العائدَ المجرورَ لا يُحْذَفُ إلا بشروطٍ وليسَتْ موجودةٌ هنا فلا حاجةَ إلى هذا التقديرِ.
قوله: {مِنْ عِبَادِهِ} فيه قولان: أحدُهما: أنَّه حالٌ من الضميرِ المحذوفِ

الصفحة 512