كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (اسم الجزء: 2)
قوله تعالى: {بالبينات} : يجوز فيه وجهان، أحدُهما أن يكونَ حالاً من «موسى» ، أي: جاءكم ذا بيناتٍ وحُجَجٍ أو ومعه البيناتُ. والثاني: أن يكونَ مفعولاً أي: بسبب إقامةِ البيناتِ، وما بعدَه من الجملِ قد تقدَّم مِثْلُه فلا حاجةَ إلى تكريرِه.
قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ} : يجوزُ أَنْ يكونَ معطوفاً على قولِه: «قالوا سَمِعْنا» ، ويجوزُ أن يكونَ حالاً من فاعل «قالوا» ، أي: قالوا ذلك وقد أُشْربوا ولا بدَّ من إضمار «قد» لِيَقْرُبَ الماضي إلى الحالِ خلفاً للكوفيين، حيثُ قالوا: لا يُحْتاجُ إليها. ويجوز أن يكونَ مستأنفاً لمجردِ الإِخبارِ بذلك، واستضعَفَه أبو البقاء، قال: «لأنَّه قد قالَ بعدَ ذلك: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ} ، فهو جوابُ قولِهم:» سَمِعْنا وعَصَيْنا «، فالأَوْلَى ألاَّ يكونَ بينهما أجنبيٌ» . والواوُ في «أُشْرِبوا» هي المفعولُ الأولُ قامَتْ مقامَ الفاعلِ، والثاني هو «العِجْلَ» لأنَّ «شَرِبَ» يتعدَّى بنفسه فَأَكْسَبَتْه الهمزةُ مفعولاً آخرَ، ولا بد من حَذْفِ مضافَيْنِ قبلَ «العِجْل» والتقديرُ: وأُشْرِبوا حُبَّ عبادةِ العِجْلِ. وحَسَّن حَذْفَ هذين المضافين المبالغَةُ في ذلك، حتى كأنَّه تُصُوِّر إشرابُ ذاتِ العِجْل. والإِشرابُ: مخَالَطَةُ المائع بالجامِدِ، ثم اتُّسِعَ فيه حتى قيل في الألوان نحو: أُشْرِبَ بياضُه حُمْرةً. والمعنى: أنهم داخَلَهم حُبُّ عبادتِه، كما داخَل الصبغُ الثوبَ. ومنه:
617 - إذا ما القلبُ أُشْرِبَ حُبَّ شيءٍ ... فلا تَأْمَلْ له الدهرَ انْصِرافَا
وعَبَّر بالشربِ دونَ الأكل، لأنَّ الشربَ يتغَلْغَلْ في باطنِ الشيء بخلاف
الصفحة 5
704