كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (اسم الجزء: 5)

ولا يرونهم من هذا التركيب؟ وقد تقدَّم تحقيق هذه القاعدة في أوائل البقرة وفي قوله
{لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً} [البقرة: 273] .
و «أنهم» سادٌّ مَسَدَّ المفعولين ل «زعم» ، و «فيكم» متعلق بنفس شركاء، والمعنى: الذين زعمتم أنهم شركاء لله فيكم أي: في عبادتكم أو في خلقكم لأنكم أشركتموهم/ مع الله في عبادتكم وخلقكم. وقيل «في» بمعنى «عند» ولا حاجة إليه. وقيل: المعنى أنهم يتحملون عنكم نصيباً من العذاب أي: شركاء في عذابكم إن كنتم تعتقدون فيهم أنكم إذا أصابكم نائبةٌ شاركوكم فيها.
قوله: «بينكم» قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية حفص عنه: «بينكم» نصباً، والباقون: «بينُكم» رفعاً. فأمَّا القراءة الأولى ففيها سبعة أوجه، أحسنها: أن الفاعل مضمر يعود على الاتصال، والاتصال وإن لم يكن مذكوراً حتى يعود عليه ضمير لكنه تقدَّم ما يدل عليه وهو لفظة «شركاء» ، فإن الشركة تُشْعر بالاتصال، والمعنى: لقد تقطع الاتصال بينكم فانتصب «بينكم» على الظرفية. الثاني: أن الفاعل هو «بينكم» وإنما بقي على حاله منصوباً حَمْلاً له على أغلب أحواله وهو مذهب الأخفش، وجعلوا من ذلك أيضاً قوله {يُفَصَلُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 3] فيمن بناه للمفعول، وكذا قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] قال الواحدي: «كما جرى في كلامهم منصوباً ظرفاً، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام» ثم قال: في قوله ومنَّا دون ذلك فدون في موضع رفع

الصفحة 48