كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (اسم الجزء: 8)
قوله: {أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ} : «أنَّ» وما في حَيِّزها في محل الرفع لقيامِها مَقامَ الفاعل الذي حُذِف في {أُوحِيَ إِلَيْنَآ} . وسببُ بنائِه للمفعول خوفاً أن يَبْدُرَ مِنْ فرعونَ بادرةٌ لمَنْ أوحى لو سَمَّياه، فَطَوَيا ذِكْرَه تَعظيماً له واستهانَةً بالمخاطب.
قوله: {ياموسى} : نادى موسى وحدَه بعد مخاطبته لهما معاً: إمَّا لأنَّ موسى هو الأصلُ في الرسالة، وهارونُ تَبَعٌ ورِدْءٌ ووزيرٌ، وإمَّا لأنَّ فرعونَ كان لخُبْثِه يعلمُ الرُّتَّة التي في لسان موسى، ويعلم فصاحةَ أخيه بدليلِ قوله {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} [القصص: 34] وقوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52] فأراد استنطاقَه دون أخيه، وإمَّا لأنه حَذَفَ المعطوفَ للعلمِ به أي: يا موسى وهارون. قاله أبو البقاء، وبدأ به، ولا حاجةَ إليه، وقد يُقال: حَسَّنَ الحذفَ كونَ موسى فاصلةً، لا يُقال: كان يُغني في ذلك أَنْ تُقَدِّمَ هارون وتؤخِّرَ موسى فيقال: يا هارونُ وموسى فتحصُلُ مجانسةٌ الفواصلِ مِنْ غيرِ حَذْفٍ لأنَّ البَدْءَ بموسى أهمُّ فهو المبدوءُ به.
قوله: {أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} : في هذه الآية وجهان: أحدهما: أن يكونَ «كلَّ شيءٍ» مفعولاً أولَ، و «خَلْقَه» مفعولاً ثانياً على معنى: أعطى كلَّ شيءٍ شكلَه وصورَته، الذي يطابقُ المنفعةَ المنوطةَ