كتاب الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود

أي: إن لي زمانا أدعو فيه لنفسي، فكم أصرف من ذلك الزمان للصلاة عليك؟ فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعيّن له في ذلك الزمن حدّا؛ لئلا يغلق عليه باب المزيد، فلم يزل يفوّض الاختيار إليه مع مراعاة الحث على المزيد.. حتى قال: أجعل لك صلاتي كلها؛ أي: أصلّي عليك بدل ما أدعو به لنفسي؟ فقال: «إذن تكفى همّك» أي: ما أهمّك من أمر دينك ودنياك؛ لأنها مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهي في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه، كما في الحديث القدسي: (من شغله ذكري عن مسألتي.. أعطيه أفضل ما أعطي السائلين) «1» فنتج من ذلك:
أن من جعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معظم عباداته.. كفاه الله تعالى همّ دنياه وآخرته، وفقنا الله سبحانه وتعالى لذلك، آمين.
وقيل: المراد الصلاة حقيقة، والمراد: نفس ثوابها، أو مثل ثوابها، وتردّه الرواية السابقة.
قيل: وهذا الحديث أصل عظيم لمن يدعو عقب قراءته فيقول: اجعل ثواب ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال فيه: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذن تكفى همّك» .
وأما من يقول: مثل ثواب ذلك زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم مع العلم بكماله في الشرف.. فلعله لحظ أن معنى طلب الزيادة: أن يتقبل قراءته فيثيبه عليها، وإذا أثيب أحد من الأمة على فعل طاعة.. كان للذي علّمه نظير أجره وهكذا، وللمعلّم الأول وهو الشارع صلى الله عليه وسلم نظير جميع ذلك، فهذا معنى الزيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم، وإن كان شرفه صلى الله عليه وسلم مستقرّا حاصلا، وقد ورد عند رؤية الكعبة: «اللهم؛ زد هذا البيت تشريفا» «2» اهـ
__________
(1) أخرجه الترمذي (2926) ، والبيهقي في «الشعب» (573) ، والبخاري في «التاريخ» (2/ 115) .
(2) أخرجه البيهقي (5/ 73) ، والشافعي في «مسنده» (ص 178) ، وابن أبي شيبة-

الصفحة 166