كتاب العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: الكتاب)

هذا كلُّه (¬١) وهو بعدُ ابن بضع عشرة سنة، فانبهر الفضلاءُ (¬٢) من فَرْط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوَّة حافظته، وسرعة إدراكه!
ولقد بلغني (¬٣) أن بعض مشايخ العلماء بحلب قَدِم إلى دمشق وقال: سمعت في البلاد بصبيٍّ يقال له: أحمد (¬٤) ابن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصدًا لعلِّي أراه. فقال له خياطٌ: هذه طريق كُتَّابِه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعد عندنا الساعة يجيء يعْبُر علينا ذاهبًا إلى الكُتّاب؛ فجلس الشيخُ الحلبيُّ قليلًا، فمرَّ صبيانٌ، فقال الخياط للحلبي: هذاك (¬٥) الصبي الذي معه اللوح الكبير هو أحمد ابن تيميَّة، فناداه الشيخ، فجاء إليه، فتناول الشيخُ اللوحَ فنظر فيه، ثم قال: يا ولدي امسح هذا حتى أملي عليك شيئًا تكتبه، فَفَعل، فأملى عليه من متون الأحاديث أحَدَ عشر أو ثلاثة عشر حديثًا، وقال له: اقرأ هذا، فلم يَزِد على أن نظر فيه (¬٦) مرة بعد كتابته إياه، ثم دفعه إليه وقال: أسْمِعه عليَّ، فقرأه عليه عرضًا كأحسن ما أنت سامع. فقال له: يا ولدي امسح هذا، ففعل فأملى (¬٧) عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا، فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا
---------------
(¬١) «هذا كله» ليس في (ب).
(¬٢) (ف): «فانبهر أهله»، (ك): «أهل دمشق».
(¬٣) (ك): «واتفق» بدل «ولقد بلغني».
(¬٤) ليست في (ف).
(¬٥) (ف): «هذا».
(¬٦) (ك): «على أن تأمله».
(¬٧) (ب): «ثم أملى».

الصفحة 8