كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي - المعرفة
كان التأليف حينذاك يتجه إلى جمع الحديث ممزوجا بأقوال الصحابة والتابعين.
ورأت طبقة من أهل هذا العصر أن يفردوا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتأليف، فصنفت مسانيد نذكر منها: مسانيد عبيد الله بن موسى العبسي، ومسدد، وأسد بن موسى ونعيم بن حمار الخزاعي، واقتفى أثر هؤلاء جماعة من الائمة على رأسهم أحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة.
وأصحاب المسانيد هذه كانوا من نقدة الحديث صيارفة الرجال، قدموا مسانيدهم إلى رجال يفترض فيهم أنهم من أهل هذا الفن وذوي الخبرة بنقد الحديث متنا وإسنادا، ومن ثم لم يلتزموا بالاقتصار على رواية الحديث الصحيح أو الحديث المحتج به، بل كل ما التزموا به أن يجنبوا كتبهم الاحاديث الموضوعة.
أما الاحاديث التي فيها مقال، فإن شاءوا بينوا هذا المقال وأثره في الحديث، وإن شاءوا تركوا هذا.
ولما كان تناول هذه المسانيد من جانب جماعة لا تتوفر لهم خبرة أصحابها من الخطورة بمكان، فإن طبيعة التطور استلزمت وجود طبقة تلي هؤلاء الائمة.
وهم طبقة أصحاب الصحاح وما بعدهم.
وهي الطبقة التي اتجهت في خدمة الحديث وصيانة الجاهلين واضحين:
الأول أن: يصنفوا كتبا يلتزمون فيها برواية الاحاديث الصحيحة التي تثبت لديهم.
الثاني: بيان أحوال الرواة من ناحية العدالة وغيرها، وما كان عليه حال الرواي من ضبط وتساهل وغفلة، والمذاهب الذي ينتمي إليه أو يتعصب له ويدعو، والبلد الذي نشأ به أو انتقل إليه، وما لقيه من شيوخ وما أخذ عنه من تلامذة، وتصنيف هؤلاء الرواة إلى طبقات.
الصفحة 134
301