كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي - المعرفة
وليس معنى هذا أن رجال المسانيد لم يهتموا بالتنقيب عن الرواة ودراسة أحوالهم بل إن نقد الرواة بدأ منذ عهد الصحابة، واشتد الاهتمام به، بعد أن تفرقت الفرق وتحزبت الاحزاب، وبدأت الاهواء تدب في نفوس كثير من الرجال.
ويرجع الفضل في الاهتمام بالرجال، والبحث عنهم، والتنقيب عن أخبارهم، والحكم على كل من تعرض لميدان الحديث الشريف توثيقا أو تضعيفا أو ما بينهما، والتشدد في ذلك إلى درجة بالغة هو الامام يحيى بن سعيد القطان.
وخطا من بعده تلامذته الكبار خطوات بناءة في مقدمتهم: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة.
ثم تجئ الطبقة التي فيها أصحاب الصحاح، والتي تتلمذت عليهم وحفظت آثارهم، وعنيت عناية خاصة برجال الحديث، وأفردت لها كتبا ومؤلفات، عرفت بالرجال، وسجلت حكم هؤلاء الائمة، عليهم أو لهم كما حفظت لنا آراء من سبقهم أو عاصرهم، ووضعت كل راو في طبقة وبين أقرانه، ورفعت عنه غوائل الجهالة ما استطاعت، فعرفت كل راو بشيخه ومن روى عنه ومن لم يلقه بل إنها حددت مكان اللقاء وزمانه والاحاديث التي رواها.
من هؤلاء أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق ممن جاء بعدهم كصاحب هذا الكتاب، وابن خزيمة والترمذي. إلخ.
وكان من عناية هؤلاء الائمة أن يجمعوا حصيلة بحثهم ودراستهم عن الرجال فيفردون للثقات كتبا كما يفردون للضعفاء كتبا أخرى.
الصفحة 135
301