كتاب دراسات في علم اللغة

وواضح من المثالين أن الخلط فيهما يرجع إلى عجز الطالب وعدم قدرته على التعبير بالفصيح المناسب للمقام.
والحق أن التأثر بالعامية في إطار "الاختيار" أصبح الآن واسع الأبعاد عميقها، لدرجة أنه يستحق نظرا خاصا ودراسة مستقلة. ومثله في هذا التأثر باللغات الأجنبية. حيث يعمد المنشئون -متكلمين وكاتبين- إلى تعريب الألفاظ والعبارات الأجنبية بصور تتفق أو تختلف مع قواعد العربية في ذلك. وهذا الضرب الثاني من التأثير والتأثر هو الآخر جدير أن يلقى اهتماما خاصا في إطار دراسة "التعريب ومشكلاته".
ثالثا: الموقعية
الموقعية وثيقة الصلة بالاختيار وهما معا يكونان فكرة النظم عند عبد القاهر الجرجاني. وقد أدرك هو بثاقب نظره هذه العلاقة، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك. ويعود فيؤكد هذه العلاقة تأكيدا واضحا، وإن كان ذلك بطريق التمثيل لإمكانات اختيار الصيغ للمعنى العام الواحد وبيان الفروق بين كل صيغة وأختها بالإشارة إلى موقعها من التأليف. يقول:
"واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت فلا تخل بشيء منها. وذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه، فينظر في الخير إلى الوجوه التي تراها في قولك زيد منطلق وزيد ينطلق وينطلق زيد ومنطلق زيد وزيد المنطلق والمنطلق زيد، وزيد المنطلق وزيد هو المنطلق".
"وفي الشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولك إن تخرج أخرج وإن خرجت خرجت وإن تخرج فأنا خارج وأنا خارج إن خرجت وأنا إن خرجت خارج. وفي الحال إلى الوجوه التي تراها في قولك جاءني زيد مسرعا وجاءني

الصفحة 290