كتاب دراسات في علم اللغة

كانتا أو متحركتين، وإنما الذي يتغير هو سلوكهما. فالمتحركة ياء كانت أو واوا تكتسب قوة أكبر، إذ يمكن أن تكون مثل الحروف الصحيحة، وهي كذلك فعلا، حيث يكون لكل مخرج حرف مستقل. من أجل هذا لم يصور العرب هذه الحروف بصورتين: ياء ساكنة وياء متحركة، واوًا ساكنة، وواوًا متحركة. وإنما صوروها بصورة هذا الحرف الوحيد، فقد اشتمل الحرف على الإمكانيتين: المصوت وهو الكسرة: "i" أو الضمة: "u"، والصامت وهو الياء: "y" أو الواو: "w""1.
ومعنى هذا أن علماء العربية اكتفوا باستغلال الواو والياء الصامتتين في الدلالة على الواو والياء الممدودتين، وبخاصة أن هذا الاستغلال تسوغه حقيقة تاريخية تتمثل في ذلك التطور الذي لحق الواو والياء الصامتتين في بعض الصيغ، وصيرهما "مع ما يصحبهما من حركات" إلى حركات طويلة. وبهذا يكون لكل من الواو والياء مدلولان مختلفان في الألفباء: كونهما صوتين صامتين، وكونهما حركتين.
وهذا الاحتمال الأخير يعني أن علماء العربية كانوا يدركون أن الواو والياء قيمتين صوتيتين، كما أدركوا كذلك أن للألف قيمتين. وهذا الإدراك في رأينا كان يوجب عليهم أن يقفوا من الرموز الدالة على الواو والياء في حالتيهما المختلفتين موقفهم من الألف في حالتيها، حيث خصصوا لكل حالة رمزا، أو بعبارة أخرى، حيث نصوا في الألفباء على رمزين اثنين للألف أو صورتين مختلفتين لها.
فإذا ما فرقنا بين حالتي الألف، وجب -بالمثل- التفريق بين حالتي الواو والياء. وكان مقتضى ذلك أن يضع أصحاب هذا النظام الألفبائي رموزا
__________
1 الأب. هنري فليش "التفكير الصوتي عند العرب" ترجمة د. عبد الصبور شاهين، بحث مستخرج من مجلة اللغة العربية، العدد 22 سنة 1968 ص12. وكان الأَوْلى أن يقول: "الكسرة الطويلة "ii" أو الضمة الطويلة "uu"، إذ الياء والواو بوصفهما مصوتين حركتان طويلتان.

الصفحة 47