كتاب دراسات في علم اللغة

ينص سيبويه في كتابه على أن الهمزة حرف شديد مجهور، وهي حلقية عنده، أو من أقصى الحلق، بعبارة أدق1، وقد تبع سيبويه في ذلك معظم علماء العربية الذين جاءوا من بعده، بل يكاد هؤلاء جميعا يرددون الألفاظ نفسها. وممن تبعه في ذلك أيضا ابن جني الذي لم يزد عما قاله سيبويه في هذا الشأن إلا في التفصيل والشرح، وفي إقحام بعض المشكلات الصرفية في مناقشة القضايا المتعلقة بهذا الصوت2.
أما تقويم هذه الأحكام من وجهة النظر الحديثة، فيقتضينا أن ننظر أولا في المصطلحات التي استعملت في الوصف، ثم في معانيها والمقصود منها.
والمصطلحات المذكورة في التعريف السابق أربعة أولها الحرف. والمقصود به هنا الصوت3، وهو صوت صحيح، وهو ما نسميه Consonant ولهم تسمية أخرى بارعة يصح إطلاقها على هذا الصوت، هذه التسمية هي "الصوت الصامت"4. أما كونها صوتا صحيحا "أو صامتا" فهو ثابت في كلامهم: "وحكم الهمزة كحكم الحرف الصحيح في تحمل الحركات"، غير أنه كان الأوفق -في نظرنا- التعبير بأسلوب غير أسلوب التشبيه. ويبدو أن الالتجاء إلى أسلوب التشبيه هنا سببه ما رأوه من أن الهمزة أحيانا يعرض لها عارض من تخفيف أو تسهيل أو إبدال أو قلب إلخ، فلم تكن حينئذ أصيلة في الصحة -في نظرهم- أصالة الباء أو التاء مثلا. يدل على هذا المعنى بقية النص السابق: "إلا أنها قد تخفف لأنها حرف ثقيل، إذ مخرجه أبعد مخارج جميع الحروف ... "5. وهناك نصوص أخرى معروفة مشهورة تشير إلى تسهيل الهمزة، أو إبدالها، أو قلبها ... إلخ.
__________
1 سيبويه: الكتاب جـ2 ص404-406 "طبعة بولاق".
2 ابن جني: سر صناعة الإعراب جـ1 ص52، 69، 78 وما بعدها.
3 من معاني "الحرف" في العربية الرمز الكتابي والصوت والمقطع والكلمة والجملة والعبارة، هذا بالإضافة إلى معانيها العامة التي لا تعنينا هنا.
4 انظر الملحوظة "1" ص55.
5 انظر شرح مراح الأرواح ص98.

الصفحة 61