كتاب دراسات في علم اللغة

وفي رأينا -كما سبق أن أشرنا إلى ذلك- أن هذا النظر إلى الهمزة يعني خلطا بين اللهجات التي تحققها والتي تخففها أو تسهلها، أو خلطا بين مستويين كلاميين: كلام فصيح وكلام غير فصيح مثلا.
وعلى كل حال فالوصف الذي قدموه للهمزة هنا وصف علمي يتمشى -في عمومه- مع ما أثبته النظر الحديث.
أما وصف الهمزة بأنها صوت شديد فيمكن أن يعد وصفا صحيحا ودقيقا في احتمال واحد. ذلك إذا أخذنا المصطلح "شديد" على أنه يعني ما نعنيه بالمصطلح الحديث "انفجاري" أو "وقفة انفجارية". والحق أن كلام علماء العربية في هذا الشأن يوحي في عمومه بهذا التوافق. فعلى الرغم من صعوبة التعريف الذي قدموه للأصوات الشديدة1، فهناك دليل قوي يشير إلى أن فهمهم للصوت الشديد يتفق -في عمومه- مع فهمنا للصوت الوقفة الانفجارية، ذلك دليل يتلخص في أن ما سموه بالحروف الشديدة يقابل عندنا -باستثناء واحد أو اثنين- ما نسميه بالوقفات الانفجارية. فالأصوات الشديدة عندهم مجموعة في قولك "أجدت طبقك"2 "والألف هنا تمثل الهمزة" والأصوات الوقفات الانفجارية عندنا -بحسب نطقنا الحالي للفصيحة- هي: الهمزة والباء والتاء والدال والضاد والطاء والكاف والقاف.
وهكذا نرى أن الخلاف بيننا وبينهم يظهر في حالتين اثنتين هما:
1- إخراجهم للضاد من الأصوات الشديدة. على حين أنا عددناها من الوقفات الانفجارية.
2- إدخالهم للجيم ضمن الأصوات الشديدة، ولكنا نعدها صوتا من نوع آخر يسمى بالأصوات المركبة أو الانفجارية الاحتكاكية.
__________
1 انظر هذا التعريف في الكتاب لسيبويه جـ3 ص406 وسر صناعة الإعراب لابن جني جـ1 ص70.
2 ابن جني: المرجع السابق ص69.

الصفحة 62