كتاب دراسات في علم اللغة

فما سر هذا الخلاف "إذا كانت الشدة عندهم تساوي الوقفة الانفجارية عندنا"؟ هناك احتمالان: أحدهما أنهم ربما أخطئوا في وصف كل من الضاد والجيم. الثاني "وهو الراجح" أن تطورا حدث لهذين الصوتين، أو أنهم كانوا يصفون صوتين آخرين غير اللذين نعرفهما الآن. فالمفهوم لنا من جملة الأوصاف التي نعتوا بها الضاد أن الضاد القديمة تختلف عن ضادنا الحالية من وجوه عدة منها: أنها في نظرهم جانبية "فهي تشبه -ولكنها ليست مثل- اللام في ذلك" وأنها لا أخت لها من مخرجها أو في بعض صفاتها، على حين أن لها أختا في نطقنا الحالي وهي الدال، والفرق بينهما إنما هو الإطباق أو التفخيم في الأولى، وعدم الإطباق أو الترقيق في الثانية. أما بالنسبة للجيم فربما كانوا يصفون جيما أشبه بجيم القاهرة فهي التي يمكن أن تسمى شديدة أو وقفة انفجارية، فلعل هذا الصوت إذن قد تطور ثم عاد إلى أصله في لهجة القاهرة ونحوها، أو لعله كان خاصا بلهجات معينة1.
فإذا ما صح هذا الاحتمال الثاني بالنسبة للضاد والجيم جاز لنا القول بأن المصطلح "شديد" عندهم يعني ما نعنيه حديثا بالمصطلح "وقفة انفجارية". ومن ثم يكون وصفهم للهمزة بأنها صوت شديد وصفا صحيحا دقيقا، إذ الخلاف في لفظ المصطلحات كلا خلاف، وإنما العبرة بالمدلول.
ووصف القدامى الهمزة بأنها صوت مجهور يستدعي تأملا ونظرا، ذلك لأن أحدًا -غير هؤلاء العلماء- لم يقل بجهر الهمزة، ولاستحالة ذلك استحالة مادية حال النطق بها. كما سبق أن أشرنا إلى ذلك.
فكيف إذن جاز لعلماء العربية وصف هذا الصوت بأنه مجهور؟ أهم مخطئون في وصف الهمزة أم في تعريف الجهر نفسه؟ وهل هناك من مخرج أو تفسير لما قالوه؟
__________
1 ما زالت الجيم تنطق كما ينطقها القاهريون "g" في بعض المناطق اليمنية في الشمال والجنوب كليهما، كما يرى التاريخ اللغوي أن هذا هو الأصل في اللغة العربية وأخواتها الساميات كذلك.

الصفحة 63