كتاب دراسات في علم اللغة

قدم علماء العربية تعريفا للجهر وللصوت المجهور، ولكنه في نظري تعريف صعب عسير الفهم. وواضع التعريف في الأصل هو سيبويه، وتبعه غيره فيه بدون أدنى تغيير في العبارة تقريبا1. أما صعوبة هذا التعريف فترجع في رأيي إلى سببين:
أحدهما: استعمال مصطلحات في هذا التعريف غير مألوفة وغير معروف المقصود بمعانيها بدقة ووضوح.
وثانيهما: عدم ذكر أية إشارة إلى العنصر الأساسي أو الشرط الأساسي في تعريف الجهر بحسب العرف الحديث. هذا العنصر أو الشرط هو ضم الوترين الصوتيين ضما معينا بحيث يسمح بمرور الهواء من خلالهما، وبحيث يجعلهما يتذبذبان بسرعة فائقة وانتظام2.
فهل مفهوم الجهر عندهم يختلف عن مفهومه في نظر المحدثين؟ من الجائز أن يكون الأمر كذلك، إذا نظرنا إلى مجموع تصريحاتهم في هذا الشأن نظرة عجلى سطحية، أو إذا أسأنا الظن بهم وبتقديرهم للموضوع. ولكن النظر الدقيق في بعض ما قالوه -بقطع النظر عن التعريف الذي قدموه للجهر- وحسن الظن بهم يقودان إلى احتمال أقرب إلى الصحة والحقيقة. لقد نص هؤلاء العلماء على الأصوات المجهورة نصا، وهي في مجموعها تتفق مع ما عددناه مجهورا فيما عدا صوتي القاف والطاء "وهذ الصوت المختلف فيه وهو الهمزة"، فهما في نظرهم مجهوران، على حين أنهما مهموسان بحسب نطقنا الحالي لهما. ومع ذلك فمن السهل تفسير هذا الخلاف فيما يختص
__________
1 انظر: الكتاب لسيبويه جـ2 ص465، وسر صناعة الإعراب لابن جني جـ1 ص69.
2 يروي الدكتور إبراهيم أنيس نصا عن أبي الحسن الأخفش نسبه إلى سيبويه، ومنه يفهم الدكتور إبراهيم أنيس أن كلام سيبويه في الجهر والهمس يتضمن "آراء قيمة في الدراسة الصوتية تتفق مع أحدث النظريات إلى حد كبير"، وأن هذه الآراء في مجموعها تفيد ما تفهمه الآن من ذبذبة الوترين "في حالة الجهر" وعدم ذبذبتهما "في حالة الهمس".
انظر: الأصوات اللغوية ص88-91 ط3.

الصفحة 64