كتاب دراسات في علم اللغة

الثاني: لعلهم كانوا يصفون الهمزة المسهلة "وهي ما تسمى همزة بين بين"، وفي نطق الهمزة المسهلة لا تقفل الأوتار الصوتية إقفالا تاما "بخلاف حال نطق الهمزة المحققة" "بل يكون إقفالا تقريبيا"، وحينئذ يحدث الجهر حال النطق غير أن المجهور هنا ليس الهمزة أو الوقفة الحنجرية، ولكنه شيء أشبه بأصوات العلة1.
والاتجاه الغالب عند علماء العربية هو وصف الهمزة بأنها صوت حلقي، وهو وصف يمكن قبوله بضرب من التوسع فقط، ذلك لأن الهمزة تخرج في حقيقة الأمر من منطقة الحنجرة Larynx وهي منطقة تقع في أسفل الفراغ الحلقي Pharynx، وهي أول مواضع النطق في الجهاز الصوتي عند الإنسان على أنه يمكن تفسير ما ذهب إليه علماء العربية بوجه من الوجوه الآتية:
1- ربما أخطأ هؤلاء العلماء الملاحظة والتقدير. فلم يستطيعوا تحديد منطقة الهمزة بالدقة، وبخاصة أنها متصلة بمنطقة الحلق.
2- يبدو أن هؤلاء العلماء أطلقوا "الحلق" على منطقة أوسع وأكبر من تلك التي نسميها "الحلق" اليوم. أو بعبارة أخرى، يبدو أنهم أطلقوا لفظ "الحلق" على تلك المنطقة التي تشمل -في عرفنا الحاضر- الحنجرة والحلق "بمعناه الدقيق" وأقصى الحنك من باب التوسع والمجاز. ويظهر هذا الاحتمال واضحا في قول قائلهم:
همز فهاء ثم عين حاء ... مهملتان ثم غين خاء
ويقصد أن هذه الأصوات الستة كلها حلقية، على حين أنا نقسمها اليوم إلى ثلاث مجموعات: "الهمزة والهاء"، وهما صوتان حنجريان، "والعين والحاء" وهما صوتان حلقيان، "والغين والخاء" وهما من أقصى الحنك، وربما سوغ ما ذهب إليه هؤلاء الدارسون أمران:
__________
1 أرشدنا إلى هذا التعليل الدكتور تمام حسان عند مناقشته لتسهيل الهمزة، انظر مناهج البحث في اللغة ص 97.

الصفحة 66