كتاب دراسات في علم اللغة

أحدهما: قرب هذه المخارج بعضها من بعض، بل عدم إمكانية الفصل بينها فصلا تاما، وإنما الفصل أمر تقديري مبني على الناحية الفسيولوجية.
ثانيهما: اشتراك هذه الأصوات الستة في بعض الخواص الصوتية والصرفية في اللغة العربية، منها أن الفعل على وزن فعل يفعل بفتح العين في الماضي والمضارع لا يقع إلا إذا كان عين الفعل أو لامه حرف حلق. وإنما التزموا فتح العين فيهما "ليقاوم خفة فتحة العين ثقالة حروف العين"1. ومن هذه الخواص أيضا جواز تحريك الاسم الثلاثي ساكن العين بالفتح إذا كانت هذه العين حرف حلق، فيقال مثلا نهر وبحر بفتح الهاء والحاء.
على أن هؤلاء أنفسهم أحسوا بأن الهمزة "ومعها الهاء والألف على خلاف" أدخل في النطق من أخواتها، ومن ثم قسموا الحلق إلى ثلاث مناطق:
1- أقصاه.
2- أوسطه.
3- أدناه.
فمن أقصاه "الهمزة والألف والهاء"2.
وخلاصة ما تقدم أن معظم علماء العربية اتفقوا مع البحث الحديث في نقطة مهمة، هي أن الهمزة تخرج من أول مواضع النطق، غير أنهم سموا هذا الموضع أقصى الحلق وسماه البحث الحديث بالحنجرة. يدل على إدراكهم لهذه
__________
1 انظر شرح مراح الأرواح ص18.
2 الكتاب لسيبويه الجزء الثاني ص404، وسر صناعة الإعراب لابن جني، جـ1 ص50. وقد جاء هذا التقسيم منظوما بصورة واضحة في متن الجزرية، حيث يقول صاحبها "ابن الجزري".
ثم لأقصى الحلق همز هاء ... ثم لوسطه فعين حاء
أدناه غين خاؤها ... ... ... ... ... ... ...
ونلاحظ هنا -خلافا للكثيرين- أنه لم ينسب ألف المد إلى أي جزء من الحلق، وإنما نسميه -مع الواو والياء- إلى الجوف والهواء، وهو عمل جيد، كما سنرى فيما بعد.

الصفحة 67