كتاب دراسات في علم اللغة

الحقيقة -حقيقة أن الهمزة أسبق الأصوات مخرجا أو من أسبقها- ترتيبهم للأصوات العربية ترتيبا مخرجيا، فهم في هذا الترتيب وضعوا الهمزة في صدر الأصوات هكذا: الهمزة والألف والهاء ... إلخ، والمعروف أن غالبية لغويي العرب القدامى سلكوا هذا المسلك الذي ابتدعه سيبويه. وهو مسلك سليم مقبول فيما يختص بوضع الهمزة في الترتيب المخرجي للأصوات العربية.
أما المروي عن الخليل فيما يتعلق بمخرج الهمزة وبعض خواصها ففيه خلط واضطراب واضحان. ويستوي في ذلك ما جاء في كتاب العين المشهور بنسبته إلى هذا العالم الجليل، وما ورد في غير هذا المعجم من الآثار اللغوية التي ترسمت خطأه في هذه المسألة "وغيرها" كالتهذيب للأزهري، وإذا صحت نسبة الآراء الواردة في هذه الآثار وغيرها إلى الخليل فلا يسعنا إلا القول بأن الهمزة كانت تمثل مشكلة حقيقية عنده، حيث لم يستطع أن يأتي برأي حاسم فيها، وإنما كان يسلك نحوها مسالك شتى قادته إلى الغموض أحيانا، وإلى التناقض أحيانا أخرى1.
ويقيننا أن موضوع الهمزة عند الخليل -على نحو ما جاء في هذه الآثار- يحتاج إلى دراسة مستقلة، ولكنا مع ذلك رأينا أن نشير هنا -في إيجاز موجز- إلى تلك المعالم البارزة من آرائه وتصريحاته فيما يتعلق بموضوع الحديث.
__________
1 أغلب الظن أن الخلط في موضوع الهمزة "وغيرها" على نحو ما جاء في كتاب العين المنسوب إلى الخليل ليس مصدره الخليل نفسه، وإنما يرجع إلى تلامذته الذين خانهم التوفيق في تدوين آراء الشيخ، كما ألقاها عليهم، أو كما أراد لها أن تكون. وقد أخذ بعضهم هذا الخلط دليلا على أن الكتاب المذكور ليس من صنع الخليل، وإنما هو من جمع تلامذته لآرائه. وهؤلاء لم يسلموا من الخطأ في نقل كلام أستاذهم، ولم يتحروا الدقة في تفسير مادته شرحها. ومن المعتقد كذلك أن بالكتاب زيادات وإضافات أدخلها عليه بعض هؤلاء التلاميذ أو رواة الكتاب عبر الأجيال المتعاقبة. ومهما يكن من أمر، فنحن نناقش موضوعنا هذا على أساس المادة الواردة في كتاب العين وفي غيره من الآثار العلمية التي نقلت عنه أو التي نسبت ما سجلته في هذا الشأن إلى الخليل. وليس يعنينا في هذا المقام أن نثبت صحة هذه النسبة أو أن ننفيها.

الصفحة 68