كتاب دراسات في علم اللغة

والحذف التي ظن الخليل أنها تلحق الهمزة ظواهر مستقلة، وليست -في رأينا- صورا أخرى لها أو إبدالا منها. إن المنطوق في هذه الحالات قد يكون ألفا أو واوًا أو ياء، وربما لا يكون هناك أي منطوق على الإطلاق. والنظر العلمي الحديث يوجب علينا أن نأخذ في الحسبان تلك الظواهر أو الأحداث المنطوقة وحدها، لا ما يظن أنه أصل هذه الظواهر وتلك الأحداث.
إن الهمزة همزة فقط حين تحقق وتنطق بالفعل، أما تلك الحالات المشار إليها ونحوها فليست من الهمزة في شيء، وهي وحدها التي تؤخذ في الحسبان دون الهمزة.
ولقد كانت هذه النظرة إلى الهمزة سببا في وقوع الخليل في خطأ آخر يتعلق بهذا الصوت نفسه. ذلك أنه يرى أن الهمزة حرف معتل، إذ هي في نظره قابلة للتغير والتحول، شأنها في ذلك شأن "حروف العلة" المعهودة: الألف والواو والياء. يروي صاحب التهذيب عن الخليل أنه قال: "والحروف الثمانية والعشرون على نحوين: معتل، وصحيح. فالمعتل منها ثلاثة أحرف: الهمزة، والياء، والواو. قال: "يعني الخليل" وصورهن على ما ترى: "اوي" ثم يعيد هذا المعنى نفسه ناسبا إياه إلى الخليل كذلك. ولكن مع إضافة الألف إلى هذه الحروف الثلاثة، على ما هو المتوقع، "قال -يعني الخليل- والعويص في الحروف المعتلة، وهي أربعة أحرف: الهمزة والألف اللينة والياء والواو"1. أما الاعتلال فيفسره الأزهري في التهذيب نقلا عن الخليل على
__________
1 تهذيب اللغة للأزهري، جـ1 ص50-51، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون "سلسلة "تراثنا"". ونلاحظ هنا أن الأزهري لم يذكر الألف ضمن الحروف المعتلة في النص الأول على حين ذكرها في الثاني، وهو يدل على خلط واضح. ولعل هذا الخلط وقع من الأزهري عند النقل، أو هو ناتج من سوء فهم واختلاط الأمر عليه. وربما يكون هذا الخلط من الخليل نفسه، فهو يذكر الألف مرة ويهملها أخرى، كما رأينا، لأنه -على ما يبدو- كان يعاصر مرحلة انتقالية فيما يتعلق بهذين الصوتين، ونعني بها مرحلة التوسع في مفهوم الألف "الذي هو أصل في الهمزة وحدها دون ألف المد" ليشمل الهمزة والألف كليهما. وهناك خلط ثان يظهر في النص الأول حيث قرر أن الخليل عد الحروف ثمانية وعشرين، على حين يذكر في مكان آخر نقلا عن الخليل كذلك أنها تسعة وعشرون حيث يقول "ص48 من المرجع المذكور": قال الخليل بن أحمد، حروف العربية تسعة وعشرون حرفا، وهذا هو الوارد في كتاب العين نفسه، انظر مثلا ص64-65 من هذا المرجع الأخير.

الصفحة 70