كتاب دراسات في علم اللغة

نحو ما ذكرنا، فيروى أن الخليل قال: "واعتلالها "أي: اعتلال هذه الحروف ومن ضمنها الهمزة" تغيرها من حال إلى حال، ودخول بعضها على بعض واستخلاف بعضها من بعض"1.
وقد بنى الخليل على هذا السلوك نحو الهمزة أحكاما أخرى مختلفة، ليس لها ما يسوغها من الحقيقة والواقع. من ذلك مثلا إحجامه عن بدء الألفباء الصوتية بالهمزة، كما رأينا. ومن هذه الأحكام كذلك أنه لم يشأ أن يبدأ بها الألفباء العادية "الإملائية"، مخالفا بذلك العرف السائد قبله، كما يبدو بوضوح من ذلك النص التالي الوارد في كتاب العين. فقد جاء هناك أن الخليل حين أراد أن يؤلف الحروف ويرتبها تدبر في الأمر وأعمل فكره فيه، "فلم يمكنه أن يبتدئ التأليف من أول: أ، ب، ت، ث وهو الألف، لأن الألف حرف معتل"2. ولقد ردد صاحب التهذيب هذا الكلام نفسه على لسان الليث، قال: "قال الليث بن المظفر: لما أراد الخليل بن أحمد الابتداء في كتاب العين أعمل فكره فيه فلم يمكنه أن يبتدئ من أول أب ت ث، لأن الألف حرف معتل"3.
__________
1 الأزهري: المرجع السابق ص50.
2 كتاب العين للخليل بن أحمد جـ1 ص52. والمقصود بالألف هنا الهمزة؛ لأن الألف في أول الألفباء همزة باتفاق المتقدمين والمتأخرين. وهذا أيضا هو ما يفهم من سياق الكلام، حيث جاء هناك في هذا المقام نفسه ما يلي: "وإنما كان ذواقه إياها "يعني الحروف" أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف، نحو: أب، أت، أح ... " إلخ. فالألف هنا لا يمكن أن تكون ألف المد، لأنها -بهذا الوصف- حركة "طويلة" والحركة لا يجوز الابتداء بها في العربية، أو هي -على حد تعبيرهم- حرف ساكن، ولا يجوز الابتداء بالساكن، كما هو معروف، بحسب قواعدهم التي قرروها للغتهم.
3 التهذيب جـ1 ص41.

الصفحة 71