كتاب دراسات في علم اللغة

إذا كان المقصود بالمهموز الهمزة وألف المد معا، فيكون موقفنا منه هو موقفنا من الاحتمال الثاني لرواية صاحب اللسان التي أشرنا إليها فيما سبق.
أم الأمر الثاني الذي يؤكد عدم الدقة في النظر إلى الهمزة فيظهر في الحكم عليها بأنها لا تنسب إلى أي جزء من اللسان أو الحلق أو اللهاة، وأنها تصدر من حيث تصدر الألف اللينة والواو والياء. ولقد ألح صاحب كتاب العين على هذا المعنى أكثر من مرة حيث جاء هناك مثلا: "قال الليث: قال الخليل: في العربية تسعة وعشرون حرفا، منها خمسة وعشرون حرفا صحاحا، لها أحياز ومخارج، وأربعة هوائية وهي الواو والياء والألف اللينة "والهمزة". فأما الهمزة فسميت حرفا هوائيا لأنها تخرج من الجوف، فلا تقع في مدرجة من مدارج اللسان، ولا من مدارج الحلق ولا من مدارج اللهاة. إنما هي هاوية في الهواء، فلم يكن لها حيز تنسب إليه إلا الجوف. وكان يقول كثيرا: "الألف اللينة والواو والياء هوائية، أي: أنها في الهواء"1. ويكرر هذا المعنى نفسه في سياق آخر، فيقول: "والياء والواو والألف والهمزة هوائية في حيز واحد، لأنها لا يتعلق بها شيء"2.
أما الأزهري صاحب التهذيب الذي يحرص على نقل آراء الخليل برمتها فيما يختص بالقضايا الصوتية في الأقل، فنلاحظ أنه يعرض لكيفية صدور
__________
1 كتاب العين ص64. وذكر الهمزة في أول النص من عمل المحقق وهي زيادة يقتضيها السياق كما هو واضح من بقية الكلام.
2 العين للخليل ص65. والكلام المذكور في صفحتي 64-65 من هذا الكتاب فيما يتعلق بهذه الأصوات الأربعة فيه خلط كبير. فقد جاء هناك مرتين نسبة هذه الحروف الأربعة إلى حيز واحد ووصفها جميعا بأنها هوائية، ولكنه مرة ثالثة يعزل الهمزة عن أخواتها ويقرر أن: "الألف والواو والياء في حيز واحد"، أما الهمزة فهي "في الهواء لم يكن لها حيز تنسب إليه". ففي هذا النص الأخير يأتي بالتفريق بين الهمزة والحروف الأخرى، ولكنه تفريق جاء في غير موضعه. إن الفرق بين الهمزة وهذه الحروف ليس في كونها -كما جاء في هذا النص- غير ذات حيز تنسب إليه، وإنما -على العكس من ذلك تماما- في كونها ذات حيز معين، هو الحنجرة، على حين يخرج هواء هذه الأصوات الثلاثة بوصفها حركات حرا طليقا بدون عائق، كما هو معروف.

الصفحة 74