كتاب دراسات في علم اللغة

النقطة الثانية:
التي تتصل بالاضطراب الحاصل منهم بالنسبة لمخرج الهمزة نعني بها ضمهم الهمزة إلى الألف والواو والياء ونسبتها جميعا إلى الهواء أو إلى الجوف. فهذه النسبة وإن صحت بالنسبة لحروف المد "والحركات عموما" لا تصح بالنسبة للهمزة على الإطلاق. فهواء الهمزة ليس منطلقا من "الجوف" إلى الخارج بدون عائق -كما هو الحال في نطق الحركات ومنها حروف المد بوصفها حركات طويلة- وإنما المعروف أن هواءها يقف وقوفا تاما في منطقة الحنجرة بسبب انطباق الوترين الصوتيين، ثم ينطلق هذا الهواء، فجأة وبسرعة إلى الخارج محدثا انفجارا، ومن ثم كانت تسميتها "بالوقفة الحنجرية" glottal stop أو "بالصوت الانفجاري الحنجري" glottal plosive.
وهناك دليل آخر على اضطراب الخليل وتلامذته فيما يتعلق بمخرج الهمزة، يتمثل في تصريحهم أكثر من مرة بأنها صوت حلقي. ومن ذلك مثلا قول الخليل: "وأما الهمزة فمخرجها من أقصى الحلق"1 ويعيد الأزهري في التهذيب هذا الكلام نفسه بحروف الخليل، فيقول: "وأما مخرج الهمزة فمن أقصى الحلق". ثم يثني ثانية في سياق آخر فيسجل المعنى بإضافة العين إلى الهمزة، ويقرر أن: "الألف اللينة هي أضعف الحروف المعتلة والهمزة أقواها متنا، ومخرجها من أقصى الحلق من عند العين"2.
فهم هاهنا قد نسبوا الهمزة إلى مدرجة أو نقطة معينة من نقاط النطق، على حين نفوا هذه النسبة -في نصوص أخرى- كما نسبوها إلى الحلق هنا وإلى الهواء هناك.
وفي استطاعة البحث العلمي أن يقبل نسبة الهمزة إلى الحلق، ولكن على أساس واحد معين. وذلك عندما نفسر الحلق -في مفهومهم- بمعنى
__________
1 كتاب العين ص58.
2 التهذيب جـ1 ص44، 51.

الصفحة 76