كتاب دراسات وتوجيهات إسلامية

المتقدم،- وإذن- فالوحده التي هي دعامة القوة، أساسها تحقيق معنى الأخوة، ومن هنا باء بالخيبة والفشل هؤلاء الذين بحت أصواتهم في الدعوه إلى توحيد كلمة الأمة، وجمع شتاتها، قبل تحقيق الأخوة بين أفرادها، لأنهم يبنون على غير أساس، كيف تتحد الآراء، وقد تنافرت القلوب؟
وقد نجح الإسلام في توحيد المسلمين، لأنه وحد- قبل ذلك- قلوبهم برباط الأخوة الإسلامية التي أقام أساسها على صخرة صلبه تنبو المعاول عنها، وهي تقوى الله، والحب في الله،: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.
إن هذه الأخوة- أخوة الروح لا الجسد، وأخوة الدين لا الدنيا، وأخوة في الله، لا في المصلحة- التي ربط الإسلام بها ما بين القلوب- لو بقيت للمسلمين لبقي لهم كيانهم وسلطانم، ولكن هذه الأخوة تبدد شملها، ودالت دولتها، وخلفتها أخوة المصالح والأغراض، وأخوة الكاسات والخليلات، تلك الأخوة التي يتباهى بها الشاعر الماجن إذ يقول:
فإن يشرب أبو فروخ أشرب … وإن كانت معتقة عقارا
وإن يأكل أبو فروخ آكل … وإن كانت خنانيصا صغارا
والتي يحدثنا عنها التاريخ إذ يقول:
ولي خالد بن عبد الله بن إبي بكرة قضاء البصرة، فجعل يحابي فقيل له في ذلك فقال: وما خير رجل لا يقطع لأخيه قطعة من دينه.
تلك الأخوة التي يعصى بها الله ويطاع الشيطان، والتي تفرق أكثر مما تجمع، والتي يقضى عليها حياته أكثر شباب اليوم.
ولله در ابن المقفع إذ يقول: أبذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامة بشرك وتحيتك، ولعدوك إنصافك وعدلك، وصن بدينك وعرضك عن كل أحد.

الصفحة 303