كتاب درة التنزيل وغرة التأويل

من لا طاقة له بمانعته عاد بوجود الضراعة وصنوف الشفاعة فحاول بالملاينة ما قصر عنه بالمخاشنة. فإن لم تغن عنه الحالتان من الخشونة والليان لم يبق بعده إلا فداء الشيء بمثله إما مال أو غيره وإن تغن عنه هذه الثلاثة تعلل بما يرجوه من نصر الأخلاء والإخوان، فأخبر الله سبحانه أنه لا يغني شيء من هذه الأمور عن المجرمين في الإخوة. اهـ كلام الفخر الرازي.
فلما رجعت إلى كتاب الخطيب في درة التنزيل وجدت هذه العبارات التي ذكرها الرازي في هذه المسألة متفقة في أكثرها مع عبارات الخطيب في الدرة وأرى من المناسب أيها القارئ أن أنقل لك كلام الخطيب في درة التنزيل حتى تقارن بين كلامه وكلام الرازي، فتعرف مدى تأثر الفخر الرازي بالخطيب الإسكافي.
قال الخطيب في كتابه درة التنزيل: والوجه في الأول أنه لما قال: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) بمعنى: لا يغني أحد عن أحد فيما يلزمه من العقاب ولا يكفر سيآته ما له من الثواب، وهو كقوله عز من قائل: ( ... واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ... ) لقمان: 33 فهذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية امتناع وقوعها في الآخرة أربعة أنواع تتقى بها المكاره وتتداوى بها الشدائد، ألا ترى العرب إذا دفع أحدهم إلى كريهة وارتهنت نفسه بعظيمة وحاولت أعزته دفاع ذلك عنه وتخليص منه بدأت بما في نفوسها الأبية من مقتضى الحمية، فذبت

الصفحة 171