كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

لا يتكلم حتى خلق الله له كلاماً.
فأنكر تشبيهه الجماد الذي لا يتكلم، وبالإنسان الذي كان قادر على الكلام حتى خلق الله له الكلام، فكان قادراً على الكلام في وقت دون وقت.
وبين أن من وصف الله ذلك فقد جمع بين الكفر - حيث سلب ربه صفة الكلام وهي من أعظم صفات الكمال، وجحد ما أخبرت به النصوص - وبين التشبيه.
ثم قال أحمد: (بل نقول: إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق..) فبين أن الكلام يتعلق بمشيئته وأنه لم يزل متكلماً إذا شاء فرد قول من لا يجعل الكلام متعلقاً بالمشيئة، كقول الكلابية ومن وافقهم، ومن يقول: (كان ولا يتكلم حتى حدث له الكلام) كقول الكرامية ونحوهم، وقال: (لا نقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق كلاما، لا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علماً فعلم، ولا نقول: إنه كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسة قدرة، ولا نقول: إنه قد كان له ولا نور له حتى خلق لنفسه نوراً، ولا نقول: إنه كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة) فنزهه سبحانه عن سلب صفات الكمال في وقت من الأوقات، وإنا لا نقول: تجددت له صفات الكمال، بل لم يزل موصوفاً بصفات الكمال، ومن صفات الكمال: إنه لم يزل متكلماً إذا شاء، لا أن يكون الكلام خارجا عن قدرته ومشيئته، ولهذا لم يقل: لم يزل عالماً إذا شاء، ولا قال: يعلم كيف شاء، وقد قال في موضع آخر فيما رواه عنه حنبل: (لم يزل الله عالماً متكلماً غفوراً) .
وكلام أحمد وغيره من الأئمة في هذا الأصل كثير ليس هذا موضع بسطه، مثل ما ذكره البخاري في آخر صحيحه في كتاب التوحيد والرد على الجهمية قال: باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب وأمره، فالرب تعالى بصفاته وفعله وأمره - وفي نسخه (وكلامه) - هو الخالق المكون، غير

الصفحة 298