كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

لكن هذا المثال ليس بمطابق، لأن قوله: (لا أعطيك) نفي للحاضر والمستقبل، ليس نفياً للماضي، فإذا قال (لا أعطيك هذه الساعة أو بعدها شيئاً إلا أعطيتك قبله شيئاً) اقتضى أن لا يحدث فعلاً الآن حتى يحدث فعلاً في الزمن الماضي، وهذا ممتنع.
أو بمنزلة أن يقول: (لا أفعل حتى أفعل) وهذا جمع بين النقيضين.
وإنما مثاله أن يقول: ما أعطيتك درهماً إلا أعطيتك قبله درهماً، فكلاهما ماض.
فإذا قال القائل: (ما يحدث شيء إلا ويحدث بعده شيء) كان مثاله أن يقول: ما حدث شيء إلا حدث قبله شيء، لا يقول لا يحدث بعده شيء) كان مثاله أن يقول: ما حدث شيء إلا حدث قبله شيء، لا يقول (لا يحدث في المستقبل شيء إلا حدث قبله شيء) وكل ما له ابتداد وانتهاء كعمر العبد، يمتنع أن يكون فيه عطاء لا انتهاء له، أو عطاء لا ابتداء له، وإنما الكلام فيما لم يزل ولا يزال.
والناس لهم في إمكان وجود ما لا يتناهى أقوال:
أحدها: امتناع ذلك مطلقاً، في الماضي والمستقبل والحاضر، في كل شيء، وهذا قول الجهم وأبي الهذيل.
والثاني: جواز ذلك، حتى في الأبعاد التي لا تتناهى، وهو قول طائفة من فلاسفة الهند وطائفة من نظار أهل الملة وغيرهم، يقولون: إن الرب له قدر لا يتناهى.
ثم من هؤلاء من يقول: لا يتناهى من

الصفحة 359