كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

السادس: قول من يقول: ما كان مجتمعاً مترتباً فإنه يجب تناهيه كالعلل والأجسام، فتلك لها ترتيب طبيعي، وهذه لها ترتيب وضعي، وكلها موجودة في آن واحد.
وأما ما لم يكن له ترتيب - كالأنفس - أو كان له ترتيب ولكن يوجد متعاقباً - كالحركات - فلا يمتنع فيه وجود ما لا يتناهى، وهذا قول ابن سينا، وهو المحكي عندهم عن أرسطو وأتباعه، لكن ابن رشد ذكر أن هذا القول لم يقله أحد من الفلاسفة إلا ابن سينا.
وأما وجود علل ومعلولات لا تتناهى: فهذا مما لم يجوزه أحد من العقلاء.
إذا عرف هذا تكلمنا على الاحتجاج بتفاضل الدورات التي لا تتناهى، فإن الشمس تقطع الفلك في السنة مرة، والقمر اثنتي عشرة مرة، وهذا مشهود، والمشتري في كل اثنتي عشرة سنة مرة، وزحل في كل ثلاثين سنة مرة، فتكون دورات القمر بقدر دورات زحل ثلاثمائة وستين مرة، ودورات الشمس بقدر دورات زحل ثلاثين مرة، فتكون دورات هذا أضعاف دورات هذا، وكلاهما لا يتناهى عند القائلين بذلك، والأقل من غير المتناهي متنهاه، والزائد على المتناهي متناه، وقد عرف أن المعارضة بالعدد باطلة.

الصفحة 361