كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

على تناهي الجنس، وليس الأمر، فإن هذا الدليل لا يتناول إلا الفلك، وهو دليل على حدوثه، وامتناع أن تكون حركته بلا بداية ولا نهاية، فهو يدل على فساد مذهب أرسطو وابن سينا، وأمثالهما ممن يقول بأن الفلك قديم أزلي.
فهذا حق متفق عليه بين أهل الملل وعامة العقلاء.
وهو قول جمهور الفلاسفة، ولم يخالف في ذلك إلا شرمذة قليلة، ولهذا كان الدليل على حدوثه قوياً، والاعتراض الذي اعترض به الأرموي ضعيفاً، بخلاف الوجوه الدالة على امتناع جنس دوام الحوادث، فإن أدلتها ضعيفة، واعتراضات غيره عليها قوية.
وهذا مما يبين أن ما جاءت به الرسل هو الحق، وأن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه، كالذين جعلوا من السمع: أن الرب لم يزل معطلاً عن الكلام والفعل، لا يتكلم بمشيئته، ولا يفعل بمشيئته، بل ولا يمكنه عندهم أنه لا يزال يتكلم بمشيئته ويفعل بمشيئته.
فجعل هؤلاء هذا قول الرسل، وليس هو قولهم، وجعل هؤلاء من المعقول: أنه يمتنع دوام كونه قادراً على الكلام والفعل بمشيئته.
وعارضهم آخرون: فادعوا أن الواحد من مخلوقاته كالفلك أزلي معه، وأنه لم يزل ولا تزال حوادثه غير متناهية، فهذه الدورات لا تتناهى، وهذه لا تتناهى، مع أن هذه بقدر هذه مرات متناهية، وكون الشيئين لا يتناهيان أزلاً وأبداً، مع كون أحدهما بقدر الآخر مرات، مع

الصفحة 364