كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

عدمها من محلها فهذا فيه نظر، ولهذا تنازع العقلاء في هذا دون الأول، وكثير من النزاع في ذلك يكون لفظياً، فإنه قد يكون عدم الشيء مستلزماً لأمر وجودي، مثل الحياة مثلاً، فإن عدم حياة البدن مثلاً مستلزماً لأعراض وجودية.
والناس تنازعوا في الموت: هل هو عدمي أو وجودي؟ ومن قال: (إنه وجودي) احتج بقوله تعالى: {خلق الموت والحياة} (الملك: 2) فأخبر أنه خلق الموت كما خلق الحياة، ومنازعه يقول: العدم الطارىء يخلق كما يخلق الوجود، أو يقول: الموت المخلوق هو الأمور الوجودية اللازمة لعدم الحياة، وحينئذ فالنزاع لفظي.
وكذلك تنازعوا في الظلمة: هل هي وجودية أو عدمية.
وهي عدم النور عما من شأنه قبوله، ومن قال: (إنها وجودية) يحتج بقوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور} (الأنعام: 1) والآخر يقول: كل ما يتجدد ويحدث من الأمور الوجودية والعدمية، فالله سبحانه جاعله، أو يقول: عدم النور مستلزم لأمور وجودية، هي الظلمة المجعولة، وكون السكون وجودياً أبعد من كون الموت والظلمة ونحو ذلك وجودياً، والسكون قد يراد به قوة في الجسم تمنع حركته، كالطبيعة التي في الحجر التي توجب استقراره في الأرض، وهذا أمر وجودي، لكن من قال (إن السكون عدمي) لم يجعل تلك الطبيعة هي السكون، بل قد يسمون ذلك اعتماداً، ويفرقون بين السكون والاعتماد، لكن قد

الصفحة 383