كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 2)

الأجسام من غير سبب حادث - لزم أن لا يكون حدوث الحادثات متوقفاً على سبب حادث، بل كان الفاعل المختار يحدث ما يحدث من غير سبب حادث أصلاً، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ومن وافقهم.
وحيئنذ فيقول لهم منازعوهم من الهشامية والكرامية وغيرهم: فيجوز حينئذ أن يكون الجسم القديم الازلي تحرك بعد أن كان ساكناً من غير سبب أوجب ذلك، بل بمحض المشيئة والقدرة، لأن القادر المختار يمكنه ترجيح احد طرفي الممكن بلا مرجح: يرجح السكون تارة والحركة أخرى.
فإن قالوا هم: نحن نقول: (يفعل بعد أن لم يكن فاعلاً، فإذا قلتم السكون أمر وجودي جعلتموه فاعلاً في الأزل لأمر وجودي.
والفعل في الأزل محال) .
قالوا لهم: نحن ليس لنا غرض في أن نجعل السكون أمراً وجودياً، ولا أن نجعله فاعلاً في الأزل لأمر وجودي، بل اتفقنا نحن وأنتم على أنه يفعل ما لم يكن فاعلاً له من غير سبب حادث، لكن نزاعنا في الفعل: هل يقوم به؟ وفي الفاعل: هل هو جسم؟ فإذا طالبتمونا بسبب فعله للحركة بعد السكون، قلنا لكم: هذا بمنزلة فعله لكل محدث بعد أن لم يكن فاعلاً، والفرق إنما يعود إلى محل الفعل لا إلا سببه

الصفحة 386