كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 6)

وقوله: (على أن ما يدفعه الوهم ولا يقبله إذا كان في المحسوسات فهو مدفوع منكر) .
فيقال له: هذا أيضاً حجة عليكم، فإن المنازع يقول: أنه لم يقم دليل شرعي ولا عقلي على إثبات موجود لا يمكن أن يعرف بالحس بوجه من الوجوه، وإن كان لا يمكن أن يعرف كثير من الناس بحسه، ولا يمكن أن يعر ف بالحس في كثير من الأحوال.
وقد عرف من مذهب السلف وأهل السنة والجماعة أن الله يمكن أن يرى في الآخرة، وكذلك الملائكة والجن يمكن أن ترى، وما يقوم بالمرئيات من الصفات يمكن أن يعرف بطريقها، كما تعرف المسموعات بالسمع، والملموسات باللمس، ويقول: إن الرسل صلوات الله عليهم قسموا الموجودات إلى غيب وشهادة، وأمروا الإنسان بالإيمان بما أخبروا به من الغيب.
وكون الشيء شاهداً وغائباً أمر يعود إلى كونه الآن مشهوداً أو ليس الآن بمشهود، فما لم يكن الآن مشهوداً يمكن أن يشهد بعد ذلك، بخلاف هؤلاء النفاة، فإنهم قسموا الموجودات في الخارج إلى محسوس، وإلى معقول لا يمكن الإحساس به بحال.
وهذا مما ينفيه صريح العقل لا مما يثبته، وإنما المعقول الصرف ما كان ثابتاً في العقل كالعلوم الكلية، وليس للكليات وجود في الخارج، مع انه قد يقال: إنه يمكن الإحساس بها أيضاً، إذا أمكن الإحساس

الصفحة 107