كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 6)

كان تنزيهه عما وصفوه به متضمناً لعظمته اللازمة لذلك النفي.
وإذا كان كذلك، فنفاة النقيضين، وما هو في معنى النقيضين، لم يتضمن وصفهم له بذلك شيئاً من الإثبات ولا التعظيم، بخلاف القائلين بالحلول في جميع الأمكنة، فإنهم يصفونه بما فيه تعظيم له.
ولهذا من يقول من يعذر الطائفتين: إن هؤلاء قصدوا تنزيهه، وهؤلاء قصدوا تعظيمه، فإذا كان التنزيه، إن لم يتضمن تعظيماً لم يكن مدحاً، كان من وصفه بما فيه تعظيم أقرب إلى المعقول ممن وصفه بما يشركه فيه المعدوم، من غير أن يكون فيه تعظيم، فلم يكن أولئك النفاة أن يبطلوا حج هؤلاء المعظمين له، وإذا ردوا عليهم ببيان ما في قولهم من إثبات ما لا يعقل أو التناقض، قالوا لهم: إن في قولهم من إثبات ما لا يعقل ومن التناقض ما هو أعظم من ذلك.
فإن قال النفاة: هؤلاء الحلولية قد أثبتوا حلولاً يقتضي افتقاره إلى المحل، كالصورة مع المادة، وكالوجود مع الثبوت، ونحو ذلك مما يقتضي أن أحدهما محتاج إلى الآخر، نحن قد بينا: إنما يعقل الحلول إذا كان الحال محتاجاً إلى المحل، وذلك باطل، لأن ذلك يناقض وجوبه كما تقدم، فقد أبطلنا قول هؤلاء.
قيل عن هذا جوابان:
أحدهما: أنه ليس كل من قال بالحلول يقول افتقاره إلى المحل، بل كثير من القائلين بالحلول يقولون: إنه في كل مكان مع استغنائه عن

الصفحة 178