كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 6)

قالوا: بل وجود الموجود وحصول الحاصل مقصده واختياره.
فقولك لو كان قاصداً إلى إيجاد الموجود، إن أردت إلى إيجاد ما هو موجود بدون قصده فهذا ممنوع، وإنما يستقيم هذا إذا ثبت أن الأزلي لا يمكن أن يكون مراداً مقصوداً، وهو أول المسألة، وإن أردت إلى إيجاد ما هو موجود بقصده، فهذا هو المدعي، فكأنك قلت: لو كان مقصوداً لأزلي موجوداً بقصده لكان موجوداً بقصده، وإذا كان هذا هو المدعي، فلم قلت: إنه محال: ولكن يلزم هؤلاء على هذا التقدير أن لا يكون فرق بين الموجب بالذات والفاعل بالاختيار، وهم يقولون: إن أريد بالموجب الذات أنه لم يزل فاعلاً، فهذا لا يمنع كونه مختارات على هذا التقدير، وإن أريد به ما يلزمه موجبه ومعلوله، فهذا أيضاً لا يمنع كونه مختاراً أيضاً على هذا التقدير.
وهذا القسم باطل بلا شك، سواء سمي موجباً أو مختاراً، لأن ذلك يستلزم أن لا يحدث شيء من الحوادث، فإن موجبه إذا كان لازماً له - ولازم اللازم لازم - كانت جميع الموجبات لوازم قديمة، فلا يكون شيء من المحدثات صادراً عنه ولا عن غيره، إذ القول في كل ما يقدر واجباً كالقول فيه، فيلزم أن لا يكون للحوادث فاعل.
ولا ريب أن هذا لازم للفلاسفة الدهرية الإلهيين وغيرهم، كأرسطو والفارابي وابن سينا، لزوماً لا محيد عنه، وأن قولهم يستلزم أن

الصفحة 190