كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 6)

فيقال له: هذا كلام على تقدير أن يكون للمحسوسات مباد لا يمكن تعلق الحس بها، وهذا هو رأس المسألة وأول النزاع فإذا جعلت هذا حجة في إثبات مطلوبك فقد صادرت على المطلوب.
ثم يقال لك: الوهم إنما يتصور عندك في الأمور الجزئية، وهذه القضايا كلية لا جزئية.
ويقال لك أيضاً: هذا بعينه يرد عليك في تقسيم الوجود إلى: قائم بنفسه وبغيره، وقديم ومحدث، وجوهر وعرض، وعلة ومعلول، ونحو ذلك فإن ما ذكرته من هذه القضايا يتناول هذه.
ويقال لك ما تعني بقولك: (إن المحسوسات إذا كان لها مباد وأصول كانت قبل المحسوسات) .
أتعني به أن ما أحسسناه له مباد وأصول لم نحسها؟ أم تعني به أن ما يمكن أن يحس به يجب أن يكون له مبدأ لا يمكن الإحساس به؟ .
فإن عنيت الأول فهو مسلم، لكن لا يلزم من عدم إحساسنا بها أن لا يكون الإحساس بها ممكناً، ولا يقول عاقل: إن كل ما لم نشهده الآن لا يمكن أن نشهده بعد الموت، أو في وقت آخر، فإنه ما من عاقل إلا ويجوز أن يكون فوق الأفلاك ما لا نشهده الآن، بل يجوز أن تكون هناك أفلاك ونجوم لا ندركها فضلاً عن غيرها.
وإن قال: إنه لا بد أن يكون لكل ما يمكن أن يحس به مبدأ لا

الصفحة 90