كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

الطالب للعلم: إما أن يكون نظره في كلام معلم يبين له ويخاطبه بما يعرفه الحق، وإما أن يكون في نفس الأمور الثابتة، التي يخبر عنها المتكلم ويريد أن يعلم أمرها المتعلم، كسائر الناظرين في الطب والنحو وغير ذلك: إما أن ينظر في كلام المعلمين لهذا الفن، وإما أن ينظر فيما من شأنه أنه يخبر عنه كالأبدان واللغات.
والسلف كان نظرهم في خير الكلام وأفضله، وأصدقه وأدله على الحق، وهو كلام الله تعالى، وهم ينظرون في آيات الله تعالى التي في الآفاق وفي أنفسهم، فيرون في ذلك من الأدلة ما يبين أن القرآن حق.
قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] .
والمناظرة المحمودة نوعان: والمذمومة نوعان، وذلك لأن المناظر: إما أن يكون عالماً بالحق، وإما أن يكون طالباً له، وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له.
فهذا الثالث هو المذموم بلا ريب، وأما الأولان: فمن كان عالماً بالحق فمناظرته المحمودة أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق إذا تبين له، أو يقطعه ويكف عداوته إن كان معانداً غير متبع للحق إذا تبين له، ويوقفه ويسلكه ويبعثه على الناظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه حق وقصده الحق.
وذلك لأن المخاطب بالمناظرة إذا ناظره العالم المبين للحجة: إما أن

الصفحة 167