كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} [آل عمران: 71] .
أو تكون فيه شبهة لأهل الباطل، وإن كانت باطلة وبطلانها يتبين عند النظر الصحيح، كالذين قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن ومجنون، قالوا: إنه شاعر لأن الشعر كلام موزون مقفى فشبهوا القرآن به من هذا الوجه، والكاهن يخبر أحياناً بواحدة تصدق فشبهوا الرسول به من هذا الوجه، والمجنون يقول ويفعل خلاف ما في عقول ذوي العقول.
فلما زعموا أن ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف ما يأتي به العقلاء نسبوه إلى ذلك.
لكن ما ينصبه الله من الأدلة، ويهدي إليه عباده من المعرفة، يتبين به الحق من الباطل الذي يشتبه به، ولكن ليس كل من عرف الحق - إما بضرورة أو بنظر - أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه، فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع، وما به يعرفه به غيره نوع، وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به، فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به.

الصفحة 171