كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

معانداً يظهر له الحق فلا يقبله - وهو السوفسطائي - فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائياً، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك، بل إن كان فاسد العقل داووه، وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق - ولا مضرة فيه - تركوه، وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة: إما بالتعزير وإما بالقتل، وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.
والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها، أو من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة تارة أخرى.
وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها: محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطل.
ومنشأ الباطل من نقص العلم، أو سوء القصد.
كما قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} [النجم: 23] .
ومنشأ الحق من معرفة الحق والمحبة له، والله هو الحق المبين، ومحبته أصل كل عبادة، فلهذا كان أفضل الأمور على الإطلاق معرفة الله ومحبته، وهذا هو ملة إبراهيم خليل الله تعالى، الذي جعله الناس إماماً، وجعله أمة يأتم به الخلق، وهو الذي ناظر المعطلين والمشركين.

الصفحة 174