كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

عليه هذه الآيات والأحاديث التي أخبرتنا بها يناقض هذه القضايا التي علمنا بها أنك رسول الله الصادق عليه، فما يمكننا أن نجمع بين تصديقك في دعوى الرسالة، وبين الإخبار بهذه الأمور، بل تصديقك في دعوى الرسالة التي يقتضي تكذيب مقتضى هذه الأخبار، فكيف نصنع؟ هل لها تأويل يوافق ما به علماً أنك صادق؟ : أم نحن مأمورون بأن نقرأ ما ظاهره كفر وكذب يقدح في أصول إيماننا، ونعرض بقلوبنا وعقولنا عن فهم ذلك وتدبره والنظر فيه؟ .
وهذا فيه عذاب عظيم للعقول، وفساد عظيم في القلوب، إذا كان الرجل مأموراً أن يقرأ في الليل والنهار كلاماً، يقرأ به في صلاته وغير صلاته، ويجزم بأنه صدق لا كذب، وأن من كفر بحرف منه فهو كافر، وذلك الكلام مشتمل على أن أخبارها ظاهرها ومفهومها يناقض ما به علم وصدق ذلك الكلام، بل هو باطل وضلال وكفر، فيورثه ذلك الحيرة والاضطراب، ويمرض قلبه أعظم مرض، ويكون تألمه لذلك ووجع قلبه، أعظم بكثير من مرض بدنه ووجع يده ورجله، فإنه حينئذ إن قبل ما به صدق هذا الرسول قدح في الكلام الذي أخبر أنه حق وصدق، فيكون ذلك الدليل الذي دله على صدقه، دله على كذب المفهوم من أخباره وإن صدق المفهوم من أخباره، أبطل شاهد صدقه.
ومن المعلوم أن أخباره لو عارضت معقولاً لهم، غير ما به علموا صدقه، لأوجب ذلك من الحيرة والألم والفساد ما لا يعلمه إلا الله، فكيف إذا كان المعارض له ما به علموا صدقه؟ .

الصفحة 45