كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

وأمثال ذلك يبين سبحانه أنه نجى عباده المؤمنين من العذاب الذي أصاب غيرهم، وكانوا معرضين له، لولا ما خصهم الله من أسباب النجاة - لأصابهم ما أصاب أولئك.
فلفظ (النجاة من الشر) يقتضي انعقاد سبب الشر، لا نفس حصوله في المنجى.
فقوله تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا} [مريم: 72] ، لا يقتضي أنهم كانوا معذبين ثم نجوا، لكن يقتضي أنهم كانوا معرضين للعذاب الذي انعقد سببه، وهذا هو الورود.
فقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» ، لا ينافي هذا الورود، فإن مجرد الورود ليس بعذاب، بل هو تعريض للعذاب، وهو إنما نفى الدخول الذي هو العذاب، لم ينف التقريب من العذاب، ولا انعقاد سببه، ولا الدخول على سطح مكان العذاب.
ومع هذا لما اشتبه ذلك على امرأته، سألته عن ذلك، وذكرت ما يعارض خبره في فهمها، ولم تسكت، وقد كان يفعل الأمر فيسألونه: هل هو بوحي فيجب طاعته؟ أو هو رأي يمكن معارضته برأي أصلح منه؟ ويشيرون عليه في الرأي برأي آخر، فيقبل منهم ويوافقهم، كما سأله الحباب بن المنذر لما نزل ببدر فقال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل الذي نزلته: أهو منزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتعداه، أم هو الرأي

الصفحة 51