كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

وأيضاً فقد كان اليهود والنصارى يعارضونه بما لا يصلح للمعارضة، ويقدحون في القرآن بأدنى شبهة، ويخاطبون بذلك من أسلم، كما قالوا للمغيرة بن شعبة: أنتم تقرأون في كتابكم: {يا أخت هارون} [مريم: 28] ، وموسى بن عمران كان قبل عيسى بسنين كثيرة، فظنوا أن هارون المذكور هو هارون أخو موسى، وهذا من فرط جهلهم، فإن عاقلاً لا يخفى عليه أن موسى كان قبل عيسى بسنين كثيرة، وأن مريم أم عيسى ليست أخت موسى وهارون، ولا هو المسيح ابن أخت موسى، وليس في من له تمييز - وإن كان من أكذب الناس - من يرى أن يتكلم بمثل هذا الذي يضحك عليه به كل من سمعه، فكيف بمن هو أعظم الناس عقلاً وعلماً ومعرفة، غلبت عقول بنى آدم ومعارفهم وعلومهم، حتى استجاب له كل ذي عقل مصدقاً لخبره، مطيعاً لأمره وذل له - أو خاف منه - كل من لم يستجيب له، وظهر به من العلم والبيان، والهدى والإيمان، ما قد ملأ الآفاق، وأشرق به الوجود غاية الإشراق.
فكان النصارى الذين سمعوا هذا - لو كان لهم تمييز - لعلموا أن مثل هذا الرجل العظيم الذي جاء بالقرآن لا يخفى عليه أن المسيح ليس هو ابن أخت موسى بن عمران، ولا يتكلم بمثل ذلك، ولو كانت أختهما لكان إضافتها إلى موسى أولى من إضافتها إلى هارون، فكان يقال لها: يا أخت موسى، لكن لما اتفق أن مريم هذه بنت عمران، وذانك

الصفحة 68