كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

مشروعة لا ريب أن عقل من آمن بالله ورسوله كان خيراً من عقل من سلك هذه الطريق من أهل الكلام.
وأما عقول الكفار فلا ريب، وإن كانت عقول جنس المؤمنين خيراً من عقولهم، لكان قد يكون عند الكفار من عقل التمييز ما يمنعه أن يقول ما يقوله كثير من أهل البدع.
ألا ترى أن أكاذيب الرافضة لا يرضاها أكثر من العقلاء من الكفار؟ فذلك عقول المشركين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تقبل أن ترد رسالته بمثل هذا الكلام الذي فيه من الدقة والغموض ما لا يفهمه أكثر الناس، ومن فهمه من العقلاء علم أنه من باب الهذيان والبهتان.
يبين لك كل ذلك أن العرب مع شركها كانت مقرة بأن الله رب كل شيء وخالقه ومليكه، مقرة بالقدر، وكانت عقولهم من هذا الوجه خيراً من عقل من جعل كثيراً من المحادثات لم يخلقه الله ولا قدره ولا أراده، وكانت العرب أيضاً تقر بان الله فاعل مختار، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكانت عقولهم خيراً من عقول الدهرية والفلاسفة، الذين يقولون بأن العالم صدر عن علة تامة موجبة له، كما يقول الدهرية والإلهيون.
ولا ريب أن من أنكر الصانع وقال بان العالم واجب بذاته، فعقله أفسد من عقل هؤلاء.
والعرب لم تكن تقول بهذا اللهم إلا أن يكون في تضاعيفهم آحاد وتقوله، ولكن لم يكن هذا القول ظاهراً فيهم، بل الظاهر فيهم الإقرار بالخالق وعلمه وقدرته ومشيئته.
وهذه الشبه - شبه الجهمية - هي في الأصل نشأت من ملاحدة

الصفحة 72