كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

توفر الهمم والدواعي أن ينقل.
إلا ترى أنه لما تكلم به واحد، وهو الجعد بن درهم، نقل الناس ذلك؟ ثم الجهم بعده كذلك، ولم نقل إن هذا لم يكن في نفس أحد، فإن هذا لا يمكن نفيه، ولم ينقل أن أحداً من هؤلاء لم يناج به بعض الناس، فإن هذا لا يمكن نفيه، بل قلنا: إنه لم يظهر، وعدم ظهوره مع الكثرة والقوة الموجبة لتوفر الهمم والدواعي على استخراجه واستنباطه: إن كان حقاً يوجب أنه ليس حقاً، فإن معرفة الله وما يستحقه من الصفات نفياً وإثباتاً أعظم المطالب.
ونحن نعلم بالاضطرار أن سلف الأمة كانوا أعظم الناس رغبة في هذا ومحبة له، فإذا كان الحق هو قول النفاة، وعلى ذلك أدلة عقلية يستخرجها الناظر بعقله، وهم من أعقل الناس وأرغبهم في هذا المطلب، امتنع مع ذلك أن لا يكون منهم من يفطن لهذا الحق، وإذا تفطن له، مع قوة دينهم ورغبتهم في الحيز، كانوا يظهرونه ويبينونه، وذلك يوجب ظهوره وانتشاره لو كان حقاً.
وكذلك الكفار لهم رغبة في معرفة ذلك وإظهاره، لو كان حقاً، لما كان فيه من معارضة الرسول ومناقضته، ولما فيه من معرفة الحق.
واعلم أن هذا كما يقال في أمتنا، فإنه يقال في بني إسرائيل، فإن التوراة مملوءة بإثبات الصفات التي يسميها النفاة تشبيهاً وتجسيماً.
ومن المعلوم أن التوراة قد تداولها من الأمم ما لا يحصيهم إلا الله، وقد انتشرت بين النصارى كما انتشرت بين اليهود، فلو كان ما فيها من الصفات وإثبات العلو لله مما يناقض صريح العقل، لكان ذلك من أعظم ما كان

الصفحة 78