كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

أساطين الفلاسفة كفيثاغورس وسقراط أفلاطون قدموا الشام وتعلموا الحكمة من لقمان وأصحاب داود وسليمان، فكيف بكون ما تدل عليه التوراة ويفهم منها مناقضاً لصريح المعقول الذي لا ينبغي أن يشك عاقل فيه، لا يظهر ذلك إلا في أوليائها ولا أعدائها؟
بل الطوائف كلها مجتمعة على تعظيم الذي جاء بالتوراة، خاضعين له، فهل يكون كتاباً مملوءاً مما ظاهره كذب وفرية على الله، ووصف له بما يمتنع عليه ولا يجوز في حقه، ولا يظهر بين العقلاء مناقضته ومعارضته؟
ومن اعتبر الأمور وجد الرجل يصنف كتاباً في طب وحساب أو نحو أو فقه، أو ينشأ خطبة أو رسالة، أو ينظم قصيدة أو أرجوزة، فيلحن فيه لحنة، أو يغلط في المعنى غلطة، فلا يسكت الناس حتى يتكلموا فيه ويبينوا ذلك ويخرجون إلى الحق من زيادة الباطل، وإن كان صاحب ذلك الكلام لا يدعوهم إلى طاعته واستتباعه، ويذم من يخالفه - فضلاً عن أن يكفره ويبيح قتاله وشتمه - فإذا كان الذي جاء بالقرآن، ودعا الناس إلى طاعته واستتباعه، وأن يكون هو المطاع الذي لا ينبغي مخالفته في شيء: دق ولا جل، ويقول إن السعادة لمن أطاعه والشقاء لمن خالفه، ويعظم مطيعيه، ويعدهم بكل خير، ويلعن مخالفيه ويبيح دماءهم وأموالهم وحريمهم، فمن المعلوم أن مثل هذه الدعوة لا يدعيها إلا أكمل الناس وأحقهم بها، وهم الرسل الصادقون، أو أكذب الناس وأبعدهم عنها، كالمتنبئين الكاذبين.

الصفحة 80