كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

قلنا: نعم، وجد بعد أن ظهرت مقالة الجهمية في المسلمين، وحديث الملاحدة من القرامطة الباطنية، والذين أخذوا شر قول الجهمية وشر قول الرافضة، وركبوا منهم قولاً ثالثاً شراً منهما، ونحن لم نقل: إنه لم يقدح أحد في الأنبياء والمرسلين، ولا كذبهم ولا عارضهم في نفس ما دعوا إليه من التوحيد والنبوة والمعاد، وعارضوهم بعقولهم، ولم يعارضوهم معارضة صحيحة، بل كان ما عارضوا به فاسداً في العقل.
فهؤلاء الذين حدثوا من المعارضين هم أسوا حالاً من أولئك المعارضين، فغن القرامطة الباطنية شر من عباد الأصنام من العرب، وشر من اليهود والنصارى، فمجادلة هؤلاء وأمثالهم بالباطل ليس بعجيب، فما زال في الأرض من يجادل بالباطل ليدحض به الحق.
ولكن قلنا: إذا كان الظاهر المفهوم مما خبروا به مخالفاً لصريح العقل، امتنع في العادة أن لا يعارض أولئك الأعداء به، ولا يستشكله الأصدقاء مع طول الزمان، وتفرق الأمة، فإذا كان العدو يعارض بالمعقول الفاسد، فكيف لا يعارض بالمعقول الصريح، وإذا كان الولي يستشكل ما لا إشكال فيه لخطأه هو نفسه، فكيف لا يستشكل ما هو مشكل يخالف ظاهره - بل نصه - للحق المعلوم بصريح العقل؟
فقلنا: عدم وجود هذه المعارضات مع توفر الهمم والدواعي على وجودها - لو كانت حقاً - دليل على أنها باطل، كما أن عدم نقل ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله - لو كان موجوداً - دليل على انه كذب، بخلاف وجود الطعن والمعارضة، فانه ليس دليلاً على صحة ما

الصفحة 82